بائعة ورق العنب
رضي منصور العسيف
دخلتُ عليها غرفتها.. ألقيت عليها التحية: صباح الخير خالة أم حسن.. كيف حالك؟
أجابتني: صباح النور أستاذة فاطمة…
سألتها هل أحضرتِ ورق العنب… اليوم لدينا حفلة لتوديع زميلتنا الأستاذة سكينة…
أجابتني: عذرا منك أستاذة فاطمة… لم أحضر ورق العنب…
تعجبت من إجابتها وسألتها: لماذا لم تحضري ورق العنب هل أنت مريضة…
بقيت صامته..
نظرت لها وخاطبتها: ما بك..أخبريني…
وبعد إصرار مني لمعرفة السبب قالت: لقد طلبت مني المديرة أن لا أحضر ورق العنب فهذه مدرسة وليست متجر للأسر المنتجة.. وخوفاً على صحة الطالبات فهي تخشى أن يصبن بتسمم غذائي!!!
ثارت أعصابي وقلت: ما هذا التصرف.. لماذا تمنعك… وهي تعرف أن ظروفك صعبة.. هذه المديرة لا تعرف سوى النكد… لا تدع أحدًا منا يهنأ ويرتاح … حتى في الإجازة الأسبوعية تخترع لنا مهمات وتسميها مهمات إدارية … إنها مديرة (مزعجة)… سوف أتحدث معها لعلها تتفهم وضعك…
أوقفتني وقالت: اهدئي لا تنفعلي لا تتعبي نفسك فهي لا تسمع لأحد منكن!! أنا معكن هذه السنة فقط وسوف أتقاعد… لا أريد أن أكون سبباً في إثارة المشاكل بينكن …
تنهدت الخالة أم حسن وصارت تنظر لورقة تحملها..
سألتها ما هذه الورقة أيضا؟ هل أعطتك خطاب نقل أو خصم من راتبك؟!
أجابتني: هذا خطاب إنذار بقطع الكهرباء بسبب تأخرنا في تسديد فاتورة الكهرباء… غدا هو آخر يوم لسداد المتخلف…
طلبت منها: هل ممكن أن أرى هذه الورقة؟!
أعطتني الورقة …
في هذه الأثناء رن الجرس…
ارتبكت الخالة أم حسن وقالت: هذا جرس المديرة أعتقد أنها تريد كوبا من القهوة كعادتها… سوف أذهب لها..
قلت: هذه المديرة لا تعرف سوى الطلبات والخدمة…لم أرَ منها طيلة هذه السنوات سوى الأوامر وسرعة التنفيذ …
سارعت الخالة أم حسن وأعدت كوباً من القهوة وذهبت لغرفة المديرة …
عادت بعد خمس دقائق…
أعطيتها الورقة وقلت لها بسيطة…. لن يقطعوا عنكم الكهرباء…لا تقلقي …
رن جرس الحصة الأولى …
ودعتها قائلة: حفلتنا اليوم لن يكون لها طعم بدون ورق العنب …
توقفتُ عند الباب ونظرت لها وقلت: لا تحزني يا خالة … أحضري ورق العنب غداً … هذا الطلب للمعلمات وليس للطالبات …
في اليوم الثاني حضرتُ لغرفة الخالة أم حسن … وما إن وقعت عيناها عليّ حتى انهمرت دموعها على خديها وقالت: هل سددت فاتورة الكهرباء يا ابنتي؟! لماذا عملت ذلك؟! سوف أسدد لك المبلغ عند استلام الراتب…!
وضعت يدي على فمها وقلت: إياك أن تفكري بهذا المبلغ…أنت تستحقي أكثر من هذا …أنت إنسانة مكافحة …
أرجوك امسح دموعك … فأنت الخالة أم حسن التي لا نقبل لها أن تحزن في يوم ما …
لقد كنت أشاهدك وأنت تقدمي ورق العنب للطالبات ضعيفي الحال دون أن تأخذي منهم أي مبلغ … لقد شاهدتك عدة مرات أيام المطر وأنت تنظفين ملابس الطالبات…
في هذه الأثناء دخلت إحدى طالبات الصف الثاني الابتدائي وقالت: ماما أم حسن …لم أستطع يوم أمس أن أشتري منك ورق العنب اللذيذ … هل أستطيع أن أشتري الآن ….
احتضنتها الخالة أم حسن وقالت: نعم تستطيعين … هاك خذي … هذا لك …
أجابت الطالبة بعفويتها: ولكن هذا صحن كبير ولا أملك المال الكافي …
قالت أم حسن: خذي ما يكفيك دون أي مبلغ … هذا هدية مني لك …
نظرتُ لها وقلت: ألم أقل لك أنك إنسانة …
براڤو على ام حسن