ظاهرة تفشي حالة الطلاق في المجتمع القطيفي (2)
زكريا أبو سرير
يذكر لي أحد الباحثين الاجتماعيين الاختصاصيين في هذا النوع من المشاكل الاجتماعية، أنه كان في السابق تمر علينا حالات من المنازعات الزوجية غالب أسبابها مادية أو حالة حدوث تصحر عاطفي قد يحصل لدى أحد الزوجين أو كليهما، ويطلق عليه في علم الاجتماع “الطلاق العاطفي”، فتتبلد الرومانسية العاطفية بين الزوجين ويصبحان غرباء عن بعضهما، بدلًا من أن تكون هذه العلاقة العاطفية في أوجها الطبيعية حارة وحميمية، وإذا بها تتحول إلى جماد ساكن لا تحركها العواصف العاطفية، ويستكمل الباحث قوله: في مثل هذه الحالات غالب الأمر ينتهي المطاف بها بنجاح، عبر استرجاع العلاقة لما كانت عليه، مع ما نلاحظه عند حدوث النوع من المشاكل، كان نادرًا ما يكون الطلب بالانفصال، وأرجع سبب ذلك لارتفاع حس المسؤولية لدى الطرفين أمام أسرتهما .
أما في الوقت الحاضر أخدت تظهر لنا منازعات زوجية قد تصل إلى الطلاق أو الخلع لأسباب رخيصة وتافهة هي مستجدةَ على المجتمع، وقد تتسبب في غالب الأحيان إلى هدم كيان أسرة، وهي ظواهر عصرية أو حداثية السلوك على المجتمع، حتى أصبحت تشكل (بريستيجًا) اجتماعيًّا، وهذا سببه هشاشة هذه العلاقة وثقافة اللامبالاة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، من ضمن تلك الأسباب الذي ذكرها المظاهر الاجتماعية المستحدثة، كطلب توفير مركبة خاصة للزوجة وتحت شروط معينة على الزوج، كذلك ظهور حالة الشللية النسائية الخارجة عن نمط النظام العائلي والاجتماعي، بسبب السهر معهن لوقت متأخر ليلًا سواء داخل المنزل أو خارجه، أو بعض الملاهي المستحدثة على المجتمع والتي أصبحت في نظرهم من ضروريات الحياة العصرية، أو تدخين الشيشة (المعسل) في المنزل وتكون مخصصة للزوجة وتضعه أمرًا واقعيًّا مفروضًا في الأسرة، أو تصبح شريكة ملازمة مع الزوج كواقع إلزامي لا اختياري، أضف إلى ذلك ارتداء بعض الملابس الخادشة للحياء والعفة، وغيرها من الأمور المستحدثة والمتعارف عليها.
وقد تكون أطراف هذه الرغبات ليس فقط من الجانب الزوجات فحسب، بل منها من جانب الأزواج، ذلك أن بعض الأزواج يطلب من زوجته مشاركته في مثل هذه المزاجيات، كتدخين المعسل أو الأرجيلة على لفظ ما يحلو للبعض تسميتها، وهنا تكون ردة فعل الزوجة الرفض التام، أو بعض الأزواج يجبر زوجته على لبس ثياب عصرية كما يحلو له أن يطلق عليها، فيكون طلبه بالرفض من قبل الزوجة بسبب ما يطلبه يشكل مخالفة شرعية وخلاف البنية الثقافية للزوجة، ما يستدعي من جانب الزوجة رفض طلب زوجها شكلًا ومضمونًا، أو إجبارها على تعلم قيادة المركبة وهي في وضعية نفسية غير مهيأة أو ليست لديها الرغبة في ذلك، فينتج عن تلك الرغبات الشخصية منازعات قد تصل بعض الأحيان إلى تأثر هذه العلاقة أو هذا الرابط الإنساني والاجتماعي الذي من المفترض يكون في محل القداسة الإنسانية والدينية، من سبب هذه الظواهر الذي لا تمثل قيمة اعتبارية أو دينية أو ثقافية، تكون (مع الأسف الشديد) سببًا في هدم كيان عائلي من المفروض رابطه التقوى والحبل المتين.
السؤال المهم الذي يواجه ضمير المجتمع، هل سيبقى مجتمعنا أسير لمثل هذه الظواهر غير العقلانية بالسماح لها بتمزيق كيان مجتمعنا وتفكك أُسرنا وتشرد أبنائِنا، وعندها يكون الشارع بكل ما يحتوي هو المربي لهم، أم سيكون هناك يقظة ضمير اجتماعي منقذ لهذه الأزمة المجتمعية ؟
أظن أن التحديات سوف تكون قوية، ولكن ينبغي مواجهتها بكل قوة المجتمع لأجل معالجة هذا الجرح العميق وإيقاف النزيف الغزير منه.