الاستشارة المشرقة
نتحدث في هذه المقالة عن أهمية الاستشارة في حياتنا الأسرية والاجتماعية والعملية والعلاقات بشكل عام، ناهيك عن ما تملكه من دور في توسيع تفكير الإنسان، إذ إنها تعمل بشكل كبير على صقل شخصيته، بالإضافة إلى ذلك تضع بصره على أمور لم يستطع هو نفسه رؤيتها.
ومعنى الاستشارة هي طلب المشورة من الشخص الذي يملك مهارات، وقدرات، وتجارب، وثقافة، ومعرفة وخبرات أكثر من الطرف الآخر في مختلف المجالات في الحياة، وأن الاستشارة كذلك هي طلب المشورة لمراجعة شخص معين، وذلك من أجل رؤية ما يملكه من بعض الأفكار والآراء التي تنفع وتساعد الطرف الآخر على التطوير من قدراته بشكل عام، وتوسيع العلوم والمعارف، والتفكير لديه، وذلك من أجل اكتساب الخبرة، والثقافة، والمعرفة العالية.
فمهما بلغ عقل الإنسان من ذكاء، والقدرة على التمييز، فإنه بالنهاية سيعجز عن إدراك الصواب، وبلا شك سيحتاج إلى استشارة من هو أعلى منه من ناحية بعض الجوانب الشخصية، والاجتماعية، والثقافية، ونضيف على ذلك الإمكانيات.
من الصفات الأساسية، بل التي يجب توفرها في الأفراد الذين تتم استشارتهم من قبل الآخرين، إذ يحبذ توفر بعض هذه الصفات والمميزات لهؤلاء الأشخاص الذين نقوم بأخذ بعض آرائهم، واستشارتهم في مختلف المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية، وهي كالآتي:
الأولى: الذكاء والحكمة.
الثانية: العقلانية.
الثالثة: سداد وصواب الرأي.
الرابعة: توافر الكفاءات والخبرات الكافية عند تناول موضوع الاستشارة.
الخامسة: نصح الآخرين بأدب وأخلاق واحترام.
السادسة: الرؤية السليمة والصحيحة لموضوع الاستشارة.
السابعة: القدرة على كتمان أسرار الآخرين.
ما نراه اليوم من مواقف وأحداث تجلب بعض المشاكل وتدمير الحياة الشخصية، فالإنسان الذي لا يحاول أن يسيطر على نفسه في حال إذا واجه بعض المصاعب في حياته العملية والمستقبلية، سيكون في النهاية خاسرًا من جميع الجوانب، فالإقدام على بعض المغامرات بغير اللجوء إلى حساب النتائج، بالطبع سيكون بمثابة انتحار وخسارة بعض النقاط التي تمكن المرء من ربح الجوائز الإيجابية، فالانجراف وراء العاطفة المستهجنة، دون التحكم بالعقل، وقراءة الأمور بدقة قبل اتخاذ أي موقف، ما نهايته إلا السقوط المدوي، وخسارة النقاط الرابحة.
فلهذا العملية تتطلب التريث، وعدم اللجوء إلى الاستعجال والحماسة الكبيرة في بعض الأمور، بل تتطلب الموقف الواضح، بعيدًا عن الرؤية السوداوية، فإن الافتقار إلى الوعي، وانعدام العقلانية يؤدي إلى الاستمرار في الإخفاق، وخسارة الرصيد الاجتماعي الذي يحمله المرء.
وإن كل فرد منا يمر بعقبات وعوائق صعبة قد تمنعه من الوصول إلى ما يطمح إليه، وما يرغب في تحقيقه بشدة، ولكن بتقوية الإرادة، والعزيمة، والثقة، وأيضًا دراسة الأمور من جميع الجوانب، وزيادة على ذلك الاستشارة، والاستفادة من أصحاب التجارب والخبرات، بل عدم اللجوء إلى العناد والمكابرة، في حال إذا قدم شخص عاقل المساعدة والنصيحة إلى الآخرين.
فإن المكابرة والعناد، تولد المزيد من المشاكل والويلات، وتشكل الصدمات النفسية القوية، فقد يكون تجاهل النصيحة الصادقة من قبل العقلاء وأصحاب التجارب بدافع العناد والمكابرة يكون أحيانًا مرتبطًا بنوع من التعالي، فالإقرار للناصح بالمعرفة يجعلك تتخطى مفهوم الإصرار الخاطئ، وبالتالي تكون الرؤية واضحة.
وكذلك الإصرار على تكرار الأخطاء وعدم محاولة إصلاح العيوب يولد المزيد من المشاكل والويلات، بل يمنع المرء من تحقيق التوازن الداخلي، وضبط النفس، واكتساب القدرات العقلية التي تمكنه من تحكيم عقله، دون الانجراف وراء العاطفة المستهجنة، وإن اختيار الطريقة الصحيحة للتعاطي مع المشاكل وإدارة الأزمات الصعبة، يتطلب تعلم كيفية اتخاذ القرارات الصائبة قبل إطلاق أي موقف أو التخطيط لهدف معين، وذلك من أجل تخطي محطات الفشل في الحياة، وتقليل نسبة الخسائر، سواء كانت على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي أو المادي.
بالنهاية، هدف هذه المقالة لا يتضمن الذل، وإرضاء الآخرين بشدة، وفرض الرأي بالقسوة، فمن أراد أن بتقبلها أو لا، فهو حر في ذلك، فهذا يعتبر مجرد اقتراح يقدمه شخص من أصحاب التجارب والخبرات، وأن غرضه الإصلاح الذاتي، والمساعدة، والمنفعة، وأنه كذلك ليس من أجل إثبات التميز والتفوق والذكاء على بعض الأطراف.
أسأل الله تعالى أن يجعل أبناء وأفراد المجتمع ذخرًا لبلادهم ومجتمعهم، وأتمنى لهم مزيدًا من التقدم والعطاء.