كلمة الجمعة للشيخ حسين آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي عم بعطائه وجاد بنعمائه وتكرم بآلائه والصلاة والسلام على الرحمة للانام الحبيب المصطفى محمد وآله الكرام الأنوار الاطهار الطيبين الطاهرين
(أعظم العطاء عطاء النفس)
قال الله تعالى في كتابه الكريم (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المزمل|٢٠
العطا ما دون النفس عظيم واما عطاء النفس إعظم وأرفع والعطاء بما هو اعظم يبدأ بما دونه أي يبدأ. العطاء بالأمور والأشياء العظيمة والكبيرة وينتهي إلى ما هو أعظم وأكبر اذ ان العطاء بالأمور والأشياء الصغيرة بمثابة مراحل تمهيدية بها ينتهي الأمر إلى الوصول إلى ما هو أكبر واعظم وهكذا ذكر ان من الصغار تتحقق الكبار
فالكبار من الناس وأصحاب الهمم العالية والتطلعات الرفيعة عادة ما تكون مواقفهم ومساعيهم بمثل ما هم عليه من العزم والقابلية فتبدأ لديهم من صغار الأمور إلى أن تنتهي بكبارها وأوسعها
فحالهم حال أهل الإيمان والتقوى إذا أنهم يبداون بتحقيق عنوان الإيمان والتقوى أولا ثم يرتقون إلى أعلى مستوى من التقوى والإيمان طالبين من الله عز ذكره أن يجعلهم أئمة للمتقين وللمؤمنين وليس فقط أن يحصلوا على الإيمان والتقوى اذ يقول الله تعالى فيما هم ذاهبون اليه وراغبون فيه (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان |٧٤
فامام المتقين إنما يكون إماما حين يكون أول الملتزمين وأول المبادرين والباذلين والمعطين والمضحين
فأهل التقوى واهل الإيمان والعطاء والالتزام و التقديم والاقدام هم أول من يكسب ثمرة هذا الجهد والعطاء والبذل والاقدام
وهم على حاله من اليقين والاستقرار والاطمئنان لذلك
وهذا ما وعدهم به ربهم وقطع لهم بذلك بقوله وهو اعز القائلين (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المزمل|٢٠
ومن هنا يمكن القول مهما قدم الإنسان ومهما أعطى فإن نهاية ذلك يعود عليه ويرد إليه اذ ان المستفيد والمنتفع الأول هو وان ظهر في الخارج ان اخرين قد استفادوا وانتفعوا الا انه في الواقع هو الكاسب الأكبر من هذا العطاء والبر والإحسان وهي خير وعظيمة الا أن أعظمها وأعلاها هو أن يقدم ويعطي نفسه وروحه في سبيل الله والدين
وأعمال البر يعلو بعضها على بعض الى ان ينتهي الوضع ببذل النفس والروح فإنه ليس فوقه بر كما يقول الرسول الاكرم محمد (ص)(فوق كل ذي بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه بر)
انه العطاء الذي ليس مثله عطاء أن يبذل ويقدم الإنسان المؤمن نفسه بعد ماله وأولاده وكل ما ملكت يده وتحت تصرفه وهذا ما عمله وقام به أصحاب الرسالات و الإيمان من أنبياء ورسل ودعاة أصلاح وبناء وقد اجلى وابان هذا المعنى وبكل مصاديقه رسول الله محمد (ص) واهل بيته الابرار(ع) واصحابه اصحاب الصدق والوفاء فنال بعطائه وبذله أعظم العطاء وأشرف المقام وكذلك أهل بيته (ع) ومن اخلص وصدق ووفى من صحبه الكرام وهكذا أشخاص آخرون قد إقتفوا اثر هذا السلوك والسير سواء رجالاً أو نساءً
فنالوا الحضوة وكسبوا الجولة وحصلوا على المراتب العالية لأنهم اعطوا فأُعطوا وبذلوا فنالوا وجادوا فكسبوا فهذه أم البنين وزوجة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) ووالدة العباس وإخوته الشهداء قد قدمت نفسها وما لديها بين يدي أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وأبناءه وبناته من السيدة الزهراء(ع)
لا لتكون زوجة وامرأة في دار الإمامة وحسب بل لتكون خادمة وعاملة ورافعة وناصرة للدين بخدمتها وسعيها وعنايتها وعطائها لهذا البيت ومن فيه الذي هو بيت الإسلام والإيمان الذي يجسده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) وأهل بيته الأطهار (ع)
وتتوج هذا العطاء بتقديم أبنائها الأقمار الأعزاء العباس وإخوته قرابين بين يدي الحق والإيمان دفاعا عن إمام الحق والهدى الأمام أبي عبدالله الحسين(ع)
وقد اسفر عن ذلك وأوضح العباس وهو يخوض المعركة
دفاعًا عن الدين والحق وامام الصدق الحسين ابن علي(ع)
وقالها وقد قطعت يمينه :
والله أن قطعتم يميني
إني احامي أبدا عن ديني
وعن امامٍ صادق اليقين
–
وهكذا ظفر وحاز ابو الفضل العباس بالكرامة والشأن العظيم واخوته وامهم كذلك نالت ما نالوا لأنهم عطائها وثمرة سعيها
نعم وبكل إيمان ويقين بأن كل ما يقدمه الإنسان من عطاء و تضحية وبذل وجود يلقى ويجد ثمرته ونتيجته وهذا ما وعد به الله تعالى عباده بقوله (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المزمل|٢٠
–
نسأل الله المولى تعالى أن يمن علينا بعطائه وواسع منه وأن يوفقنا للعطاء والبذل في سبيله والسعي لخدمة دينه والنفع لعباده والإصلاح بين خلقه
انه ربنا تعالى على كل شيء قدير وبالإجابة جدير
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة ١٦|٦|١٤٤٠ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس