مقالات

لنبحث عنهم !!

رضي منصور العسيف

خاطب والدته وهو يرتجف من البرد: الماء بارد يا أمي…

وماذا عساي أن أفعل؟ لقد تعطلت السخانة منذ يومين .. ماذا أفعل.. هكذا أجابته والدته..

أكمل حديثه وهو يرتجف

أنا لا أحب الشتاء.. لا أحب المطر .. انظري ماذا فعل بنا المطر؟!

تسربات المطر في كل مكان … غرفتي … المطبخ … الصالة… الهواء البارد يلسعنا … البيت بارد كالقطب الشمالي … لا أحتمل هذا البرد …

نظرت إليه والدته وقالت: وماذا أيضاً … هذا هو حالنا … لكن لا تقلق لن تطول أيام الشتاء … فقط أيام وتنتهي هذه الموجة الباردة …

سأتجمد يا أمي … سأتجمد … ماذا ألبس غدا عند ذهابي للمدرسة … جميع ملابسي أصبحت صغيرة … ضيقة …

نظرت لصورة زوجها وسقطت دمعتها: رحمك الله يا أبا علي … لماذا غادرتنا مبكراً؟

نظر علي لأمه وقال: لا تبكي يا أمي … لن أنزعج من البرد … سأتحمله …

(2)

في الفصل كان يرتجف من البرد …

سأله المدرس: هل حفظت جدول الضرب …

رد عليه وأسنانه تصطك: لا لم أحفظه …

سأله المدرس: لماذا؟!

أجابه: البرد … بردان …يا أستاذ … لم أستطع أن افتح كتابي …

رفع كتابه …

نظر إليه المدرس وقال مندهشا: لماذا كتابك بهذا الشكل؟!

أجابه: البرد يا استاذ … المطر يا استاذ … قلت لأمي أنا لا أحب البرد لا أحبه ….

بكى علي …

وقف المدرس ينظر إليه، تنهد… رتب على كتفه وقال: ثق أن أزمتكم ستنتهي اليوم ….

(3)

خاطبت نفسها

هل أتصل عليه … هل أرسل له رسالة… لماذا تأخر علينا … نحن في أمس الحاجة لمساعدته الشهرية …. أنا لا أعرفه ولكنه منذ أن توفي أبو علي وهو يغدق علينا بكرمه وعطاءه … لم يتأخر علينا … لم أتصل عليه … ولم أسأله ذات يوم عن اسمه…

سوف أرسل له رسالة واتساب لعل الرجل قد غفل عنا هذا الشهر …

أرسلت رسالة: ايها الرجل الكريم … أنا لا أعرفك ولكنك لم تبخل علينا … نحن الآن نعيش في أزمة … البرد يحاصرنا من كل مكان … الهواء البارد … تسربات المطر … نحتاج بعض المساعدة لشراء ملابس لتقي علي من شدة البرد … إنه يذهب للمدرس وهو يرتجف … أخشى عليه … أنت رجل عطاء … نحن بانتظار مساعدتك …

بعد دقائق جاء الرد: عفوا أيها المرسل … لقد توفي صاحب هذا الرقم منذ 20 يوماً … ورأيت المحادثات السابقة (تم تحويل مبلغ (…) ) لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام … لقد أوصانا الوالد رحمه بمواصلة أعماله الخيرية … لا تقلق …

استلمت أم علي الرسالة … صعقت من الخبر … يا إلهي … كيف لا نعرف عن هذا الرجل شيء … رحمك الله أيها فاعل الخير …

(4)

عاد علي من مدرسته وعلامات الحزن بادية على ملامحه …

كانت أمه صامته …

سألها: ما بك يا امي … لا تقلقي لقد كان الجو صحواً والشمس دافئة … أنا لا أشعر بالبرد الآن …

نظر لزاوية المنزل وجد مجموعة كراتين … سألها ما هذه الكراتين يا أمي؟!

أشارت إليه بفتحها …

فتحها وجد بطانيات وملابس شتوية … ومستلزمات الشتاء …

لحظات حتى طرق أحدهم الباب…

فتحه علي …

نظر إليه … أنت الأستاذ … أعدك أني سأحفظ جدول الضرب … لا داعي لتخبر أمي …

نظر إليه الأستاذ وقال: بل لن ندع البرد يحرمك من الدراسة ….

لقد عرفت بحالتكم … وها هو (السباك) سيقوم بتبديل السخانة و سنقوم بترميم السقف …

نظر علي لأمه … وجدها تمسح دموعها وهي تقول: الآن هل ستحب البرد؟

همسة:

لنبحث عنهم

قال تعالى: “لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” البقرة/(273)

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى