مقالات

استشراف المستقبل

*استشراف المستقبل*
رضي منصور العسيف

لم أكن متوقعًا أن أخسر كل هذا الوقت (أكثر من ٤٠ دقيقة) في عملية البحث عن موقف لسيارتي في مطار الملك فهد الدولي والذي تبلغ المساحة الإجمالية للمواقف 176,752 مترًا مربعًا موزعة على ثلاثة أدوار, وتتسع المواقف لعدد 4930 سيارة.
بقيت أبحث في تلك المواقف البائسة والوقت يمضي سريعا وبين فينة وأخرى يتصل صديقي يسألني هل وصلت هل وجدت موقفًا؟! فأجيبه لا لم أجد…
اخيرًا وجدت الموقف… ذهبت سريعًا لأقطع تذكرة ركوب الطائرة… فقال لي الموظف نأسف لقد تم إغلاق البوابة…
بقيت صامتا منتظرًا الرحلة القادمة..
فترة الانتظار كانت ثلاث ساعات … كيف استثمرها ؟!
قلت في نفسي دعني أعمل بحثا سريعا عن آلية مواقف السيارات في المطارات الأخرى….
استعنت بمحرك البحث فوجدت مطار أبوظبي الدولي لديه خدمة حجز موقف للسيارة، حيث يقوم المسافرون بإرسال رسالة نصية قصيرة تحمل كلمة (Parking) إلى الرقم(…)، ويقوم أحد موظفي خدمة العملاء بالاتصال خلال 24 ساعة لتأكيد الحجز. كما توجد تقنيات وتكنولوجيا متقدمة لتنظيم عمل مواقف السيارات وسهولة إيجاد المركبات بعد إيقافها والتعرف عليها عن طريق لوحاتها وحمايتها من السرقة.
وفي مطار غاتويك الدولي الواقع في مقاطعة غرب ساسكس جنوب لندن، سيجربون فكرة مشروعًا جديدًا عبارة عن روبوت يتولى إيقاف المركبات بطريقة سلسة ومنظمة.
وسوف يكون على السائق أن يترك مركبته مع هذا الروبوت الذي سيتولى المهمة على أفضل وجه، بدلاً من الانزعاج بالبحث عن موقف للسيارة في المطار.
قلت في نفسي ونحن لازلنا على نظامنا التقليدي!!
هل هناك موانع تمنعنا أن نطور هذه الآلية التقليدية … هل هناك صعوبة في أن تستخدم فكرة صغيرة عند دخولك المواقف يحدد لك رقم الموقف المتاح وفي أي دور؟!

*التخلص من ضيق الأفق*
من هذه الحادثة أود الإشارة إلى موضوع في غاية الأهمية ألا وهو مشكلة ضيق الأفق وعدم استشراف المستقبل.
وهي مشكلة نعاني منها جميعًا عند التفكير بمشروع ما (بناء منزل، شراء سيارة، افتتاح محل تجاري وغيرها) فليس لدينا تخطيط مستقبلي وليس لدينا نظرة مستقبلية فنحن نخطط بدون إبداع، بصورة تقليدية، لأننا لا نمتلك المهارات اللازمة للتخطيط، ولهذا تجد الكثير منا يعيد تصميم (منزله أو يغلق محله) بعد مدة وجيزة.
يقول الإمام السيد محمد الشيرازي : (الانسان الذي يتنبأ بأوضاعه الاقتصادية في المستقبل، إذا استطاع أن يستشف المستقبل ويقرأ آفاقه بصورة جيدة، فإنه سيأخذ الحيطة والحذر في ذلك، وإلاّ فإنّ كارثة مّا ستحلّ عليه، ويخسر كلّ شيء في صفقة الزمن المملوء بالاحتمالات).( فقه المستقبل ص 25)
الناجحون عندما يرغبون بإنشاء مشروع ما فإنهم يطرحون عدة أسئلة استراتيجيه: إلى أين سأمضي؟ ما هي أفضل طريقة للوصول إلى الهدف؟ ما هي الموارد التي سأحتاجها لتحقيق أهدافي؟ ما هي العقبات التي ستقف في طريقي؟ وكيف سأتغلب عليها؟.
نعم علينا أن نتعلم فكرة استشراف المستقبل والذي هو عبارة عن مجموعة من الأنشطة التي تعمل على تحسين عملية صنع القرار، ويكمن الهدف الأساسي من الاستشراف في أن تغدو في موقف أقوى في المستقبل، وفي حالة من الاستعداد لطائفة من الاحتمالات.
بعبارة أخرى علينا أن نخرج من الإطار التقليدي الضيق ونفكر خارج الصندوق في الفضاء الرحب. كما علينا أن نفكر في البدائل المتوقعة التي تساعد على الاختيار الواعي لبناء مستقبل أفضل.

*كن مستشرفاً للمستقبل*
دَخَلَ ضِرَارُ بْنُ ضَمْرَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ معاوية : صِفْ لِي عَلِيّاً ؟ فَقَالَ لَهُ : أَ وَ تُعْفِينِي مِنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : لَا أُعْفِيكَ . فَقَالَ : كَانَ وَ اللَّهِ بَعِيدَ الْمُدَى، ..
فلم يكن الإمام علي (عليه السلام) يتعاملُ مع الأحداث بنظرة آنية مقطوعة عما يترتّب على هذه الأحداث من آثارٍ ونتائجَ مستقبليّة، فهو (بعيد المدى).
كما أن المستشرف هو صاحب نظرة متفائلة يرفض سلبيات الواقع، وصاحب همة ونشاط ويقود من يرتبط به إلى أعلى مستويات النجاح.

*استشر ذوي البصائر*
في قصة نبي الله يوسف (عليه السلام) مع رؤية ملك مصر دروس عظيمة في هذا المجال منها : إن الاستعداد للعواصف يسبق حدوثها، ويكون التوقع والاستشراف أهم من العلاج.
فلقد تجاوز الرؤيا وتأويلها فوضع القواعد الأساسية في علوم الإدارة والاقتصاد والزراعة لإنقاذ المملكة المصرية من الفناء جوعًا وأعدها لمواجهة الأزمة الغذائية المرتقبة في ذلك الوقت.
لذلك استشر المختصين الذين يمكنهم بما يمتلكونه من خبرات وبعد نظر في الوصول الى التنبؤ المعقول والقريب من الدقة بما يتناسب مع احتياجاتك وبما يناسب مشروعك ويقودك للنجاح.

*التجديد المستمر*
من يمتلك رؤية استشرافية فإنه يمتلك قدرة على التجديد المستمر، فلا يقف عند حد معين بل يضع خطة مناسبة لأي تغيير في المستقبل، فالمشروع الناجح هو الذي يتماشى مع التطورات الحديثة وله القدرة على التأقلم معها بكل سهولة.

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى