مقالات

الإحتكار

أحمد بن مكي الجصاص

قال الإمام علي (ع) ، فيما كتبه للأشتر حين ولاه مصر : وأعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً ، وشحا ً قبيحاً ، (وإحتكارا ً) للمنافع وتحكما ً في البياعات ، وذلك باب مضرة للعامة ، وعيب على الولاة ، فامنع من الإحتكار فإن رسول الله (ص) منع منه)(١) .

الإحتكار ماهيته ، وهل كل إحتكار محرم ٌ شرعاً ، وهل هناك إحتكار جائز في الشريعة الإسلامية ، وما هي عقوبة المحتكر في الشريعة الإسلامية .

تعريف الإحتكار : 
لغة ً : عرفت حكر فى قاموس لسان العرب لابن منظور فيما يلي : 
أولاً : الحَكر بفتح الحاء وسكون الكاف ، إدخار سلعة ما للتربص وصاحبه محتكر .
ثانياً : الحَكر والحُكر بفتح الحاء فى الأول وضمها فى الثاني ، وفتح الكاف فيها بمعنى ما أحتكر تقول : إنهم ليحتكرون فى بيعهم ينظرون ويتربصون ، وأنه يحكر بكسر الحاء وسكون الكاف – لا يزال يحبس سلعته بالسوق حتى يبيع بالكثير .

واصطلاحا ً: هو حبس السلعة والامتناع من بيعها ، إذا كان لإنتظار زيادة قيمتها مع حاجة المسلمين ومن يلحق بهم من سائر النفوس المحترمة إليها ، وأستثنى بعض الفقهاء منه ، حبس السلعة في زمان الغلاء إذا أراد استعمالها في حوائجه وحوائج متعلّقيه أو لحفظ النفوس المحترمة عند الاضطرار . (٢)

السلع المحرمة إحتكارها :
لقد أتفق أغلب الفقهاء في أن السلعه المحرمة إحتكارها فقط دون غيرها هي لبعض الأنواع من الأطعمه ، لما دل عليه الدليل النصي ، إذ روى الصدوق : الحكرة تكون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت (٣).

وأستثنى بعض الفقهاء وذهب إلى أوسع من هذا و وضع لها ضابطة ، بأن بعض أنواع الأطعمة المحرمة إحتكارها، والمراد به هنا القوت الغالب لأهل البلد مثلا ً في الحجاز (الأرز) ، وهذا يختلف باختلاف البلدان، ويشمل الحكم ما يتوقّف عليه تهيئته كالوقود وآلات الطبخ أو ما يعدّ من مقوّماته كالملح والسَّمْن ونحوهما، والضابط هو حَبسُ ما يترتّب عليه ترك الناس وليس لهم طعام (٤) .

حكم إحتكار بقية السلع :
لم تحرم الشريعة الإسلامية إحتكار بقية السلع كالمساكن وغيرها بل أفتوا بـ (الأحوط استحباباً) ترك الاحتكار في مطلق ما يحتاج إليه كالملابس والمساكن والمراكب والأدوية ونحوها لقباحته عقلا ًوأخلاقا ً . (٥)

عقوبة المحتكر :
يجب النهي عن الاحتكار المحرّم لبعض أنواع الأطعمة بالشروط المقرّرة للنهي عن المنكر ، وإنزال لقيمة السلعه المحتكره ، وليس للناهي (الحاكم الشرعي) تحديد السعر للمحتكر، نعم لو كان السعر الذي أختاره (المحتكر) مجحفاً بالعامّة أُلزم على الأقلّ الذي لا يكون مجحفاً .(٦)

وأوجبت الشريعة إجبار المحتكر بإخراج الطعام المحتكر ، و « ان كان المضطر الى الطعام قادراً على المحتكر قاتله ، فإن قتل المضطر كان مظلوماً ، وإن قتل صاحب الطعام فدمه هدر » (٧) .

وقد ورد عن رسول الله (ص) : ( أن جالب [ الطعام ] مرزوق ، والمحتكر ملعون ) (٨) . وعن الامام محمد بن علي (ع) : ( أن رسول الله (ص) قال : أيما رجل أشترى طعاما ً ، فحبسه أربعين صباحاً ، يريد الغلاء ثم باعه ، وتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع ) (٩) ، وفي عهد الإمام علي (ع) لمالك الأشتر : ( فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب في غيرإاسراف ) (١٠) .

وذهب بعض الفقهاء إلى أن الإحتكار لا يشمل حبس الطعام المشتمل على الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت فقط من البيع ، بل كل ما يحتاج إليه الناس من المأكل والمشرب والملبس من غير تقييد بزمان دون زمان ، بل وكل ما يحتاجه الناس من خدمات أساسية ، فقد روي عن الشيخ الطوسي قوله « الأظهر أن تحريم الإحتكار [ متوافق ] مع حاجة الناس » (١١) ، وعن الامام جعفر بن محمد (ع) قوله : ( أن الطعام نفذ في عهد رسول الله (ص) ، فأتاه المسلمون وقالوا : يا رسول الله قد نفذ الطعام ، ولم يبق منه الا شيء عند فلان ، فمره يبع الناس ، فصعد المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا فلان أن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفذ إلا شيئاً عندك ، فأخرجه وبعه ) (١٢) .

وعليه ، فان للمعصوم أو لنائبه ، ولاية عامة تشمل جميع الأفراد من أجل حماية مصالحهم في النظام الإجتماعي ، فاذا « كان بالناس حاجة شديدة الى شيء ، ولا يوجد في البلد غيره … وضاق على الناس الطعام ، ولم يوجد إلا عند من احتكره ، كان على السلطان أن يجبره على بيعه ، ويكرهه عليه » (١٣) . فالإحتكار ، أذن إنحراف إقتصادي ، يتوجب فيه على الحاكم الشرعي أو الدولة الاسلامية التدخل لمعالجته بالقوة ، إذا تطلب الأمر ذلك .

أحمد بن مكي الجصاص

———————
( ١ ) نهج البلاغة : الكتاب ٥٣ .
(٢) آية الله العظمى السيد علي السيستاني – منهاج الصالحين ـ الجزء الثاني (الطبعة المصححة والمنقحة 1442 هـ / كتاب التجارة الفصل الأول : شروط العقد / مسألة ٥٠
(٣) من لا يحضره الفقيه / ج ٣ ، ص ٢٦٥ – ح ٣٩٥٤
(٤) ، (٥) ، (٦) / آية الله العظمى السيد علي السيستاني – منهاج الصالحين ـ الجزء الثاني (الطبعة المصححة والمنقحة 1442 هـ / كتاب التجارة الفصل الأول : شروط العقد / مسألة ٥٠
(٧) المسالك ـ باب الاطعمة والاشربة
(٨) التوحيد للشيخ الصدوق ص 399
(٩) قرب الاسناد ص63
(١٠) نهج البلاغة ص615
(١١) المكاسب للشيخ الانصاري
(١٢) الكافي ج1 ص375 .
(١٣) النهاية للشيخ الطوسي ص374 .

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى