لا للعنف الأسري
من توجيهات الإمام علي عليه السلام
جاء في مناقب ابن شهرآشوب: روى الإمام الباقر عليه السلام في خبر أنه رجع علي عليه السلام إلى داره في وقت القيظ فإذا امرأة قائمة تقول: إن زوجي ظلمني وأخافني وتعدى علي وحلف ليضربني فقال: يا أمة الله اصبري حتى يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاء الله، فقالت:
يشتد غضبه وحرده علي، فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع، أين منزلك؟ فمضى إلى بابه فوقف فقال: السلام عليكم، فخرج شاب، فقال علي عليه السلام: يا عبد الله اتق الله فإنك قد أخفتها وأخرجتها، فقال الفتى: وما أنت وذاك؟ والله لأحرقنها لكلامك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف؟ قال: فأقبل الناس من الطرق ويقولون: سلام عليكم يا أمير المؤمنين، فسقط الرجل في يديه فقال:
يا أمير المؤمنين أقلني [في] عثرتي، فوالله لأكونن لها أرضا تطأني، فأغمد علي سيفه فقال: يا أمة الله ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك إلى مثل هذا وشبهه(1).
لا يزال هذا المشهد يتكرر، فنرى العنف بين الزوجين بمختلف صوره (ضرب، شتم، حرمان،…) وعندما تدقق في أسبابه تجدها أسباباً بسيطة كان ينبغي معالجتها بطريقة أخلاقية.
لكي نتغلب على العنف الأسري نذكر لكم بعض كلمات الإمام علي عيه السلام فهي أفضل منهج وأفضل علاج:
اعرف مكانة المرأة
المرأة ليست سلعة رخيصة، بل هي إنسانة لها كيانها ومكانتها في المجتمع، وكذلك الزوجة فهي ليست قهرمانة أي ليست خادمة، بل هي لبنة أساسية في المنزل لها حقوقها وواجباتها، لها احترامها وتقديرها، ولذا ينبغي التعامل معها بالمداراة وحسن الصحبة كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية : « إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلِّ حال، وأحسن الصحبة لها، فيصفو عيشك » (2).
سيطر على غضبك
لا تكن بركاناً ثائراً تغضب لأبسط الأشياء، عند اشتعال شرارة الغضب عليك أن تتوقف لحظات وتفكر قبل ابداء أي تصرف حيث أنه أثناء نوبة الغضب، من السهل أن تتصرف أو تقول شيء ما قد تندم عليه لاحقًا. لذا انتظر لحظات قليلة لتجميع أفكارك قبل التصرف بأي شيء، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لولده الحسن (عليه السلام) : وأقلّ الغضب عليهن، إلاّ في عيب أو ذنب (3).
لاتكن منفراً
البعض يفتقد لحالة الجذب، لا أحد يقترب منه، بسبب سوء خلقه، فهو شقي مع عياله كما عبر عنه الإمام علي (عليه السلام) – فيما أوصى ابنه الحسن (عليه السلام) -: لا يكن أهلك أشقى الخلق بك (4).
وهذه الشقاوة تسبب النفور، ومن ثم تزداد البغضاء في المنزل، ويمتلأ المنزل بالطاقة السلبية التي ينتج عنها العنف الأسري.
لذا فإن المطلوب هو إشاعة الحب المتبادل بين الزوجين لما له من دور اساسي على صعيد تفاهم الزوجين واستقرار الاسرة، فالحب الحقيقي والمتبادل بين الزوج وزوجته كفيل بالقضاء على جميع حالات التوتر والتشنج في الحياة الزوجية،
حياة التعاون
إن التعاون بين الزوج وزوجته في شئون المنزل ليس عيباً وليس نقصاً، بل هو عملٌ يضفي على البيت روحاً من المحبة والتفاهم، وله الأجر والثواب العظيم حيث ورد عن الإمام علي عليه السلام قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة جالسة عند القدر وأنا أنقي العدس قال: يا أبا الحسن، قلت: لبيك يا رسول الله قال:
اسمع مني وما أقول إلا من أمر ربي ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلا كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة، صيام نهارها وقيام ليلها وأعطاه الله من الثواب مثل ما أعطاه الصابرين داود النبي ويعقوب وعيسى عليهم السلام.
يا علي من كان في خدمة العيال في البيت ولم يأنف كتب الله اسمه في ديوان الشهداء، وكتب له بكل يوم وليلة ثواب ألف شهيد، وكتب له بكل قدم ثواب حجة وعمرة، وأعطاه الله بكل عرق في جسده مدينة في الجنة.
يا علي ساعة في خدمة البيت خير من عبادة ألف سنة وألف حجة، وألف عمرة، وخير من عتق ألف رقبة، وألف غزوة، و ألف مريض عاده، وألف جمعة، وألف جنازة، وألف جائع يشبعهم، وألف عار يكسوهم وألف فرس يوجهه في سبيل الله، وخير له من ألف دينار يتصدق بها على المساكين، وخير له من أن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ومن ألف أسير أسر فأعتقهم، وخير له من ألف بدنة يعطي للمساكين، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة.
يا علي من لم يأنف من خدمة العيال فهو كفارة للكبائر ويطفي غضب الرب ومهور الحور العين وتزيد في الحسنات والدرجات، يا علي لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة (5).
تبادل الكلمات الجميلة
إن الحياة الزوجية بحاجة إلى إشاعة الكلمات الجميلة، كلمات الحب والمودة، كلمات تبعث الحياة في الطرف الآخر كما قال الإمام علي عليه السلام:
“كن حسن المقال جميل الأفعال فإن مقال الرجل برهان فضله و فعاله عنوان عقله” و “من حسن كلامه كان النجح أمامه” (6)
الهوامش:
1 ) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤١ – الصفحة ٥٧
2 ) مكارم الأخلاق – الشيخ الطبرسي – الصفحة ٢١٨
3 ) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ١٠٠ – الصفحة ٢٥٣
4 ) البحار: ٧٧ / ٢٢٩ / ٢.
5 ) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ١٠١ – الصفحة ١٣٢
6 ) غرر الحكم ودرر الكلم