السيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام)
سيرة البطولة والوفاء
بقلم / رضي منصور العسيف
على امتداد التاريخ هناك ثنائية النجاح وتحقيق الانتصارات، وفي مسيرة العظماء نجد ذلك الدور الريادي للمرأة في دعم مسيرة المصلحين…
فمع إبراهيم الخليل كانت هاجر …
ومع عيسى الكليم كانت مريم العذراء …
ومع الرسول الأكرم كانت السيدة خديجة
ومع الإمام علي كانت فاطمة الزهراء
ومع الحسين كانت السيدة زينب
فكما أن للرجل دور في نشر الرسالة الربانية، فإن دور المرأة لا يقل شأناً عنه، و أمامنا شخصية امرأة كانت الحياة قد أقبلت عليها و كانت تتنعم في بيت عز و شرف، كانت الأموال تحت تصرفها ولكنها آثرت كل هذا العز ورفضته واختارت طريقاً آخر مغاير له في المواصفات، ولكنه طريقاً يوصلها إلى الفوز في الآخرة.
إنها السيدة الجليلة خديجة بنت خويلد (سيدة قريش)التي يقف الجميع إجلالاً لمواقفها مع الرسول والرسالة، ولها الفضل في دعم الرسول و الرسالة، و صاحبة المواقف الجبارة التي سجلها التاريخ على صفحاته بأحرف من ذهب. حتى استحقت هذا الوسام الذي ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) (1).
وفي هذه المقالة ننشر شيئاً من سيرة هذه المرأة العظمية:
الدعم النفسي
لقد شكلت السيدة خديجة بيتاً يمتلئ عاطفة وحباً ورعاية وحضناً دافئاً لرسول الله (ص) ينسيه كل التعب والإيذاء والمعاناة. وكانت حياتها مع رسول الله حياة التآلف والتناغم (مليئة بالحب و التفاني ذابت خديجة في حبها لزوجها و أخذت منه كل ما أعطاها وأعطته كل ما أخذ منها لقد كان الأخذ و العطاء بنسبة واحدة بدون أي شعور من الطرفين بأن الأخذ هو غير العطاء أو أن العطاء هو غير الأخذ)(2)
سيدة العطاء
فقد اعتبرت (عليها السلام) من أغنياء الجزيرة العربية وكانت لها رحلات تجارية إلى الشام وغيرها، وكانت معروفة بين كبار التجار، ولكنها حين اختارت طريق الإسلام وظفت هذه الثروة لخدمة الرسالة و لهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مالُ خديجة وسيف علي بن أبي طالب (عليهما السلام)”(3)
فكانت أموالها تسد رمق ذلك المسلم، الذي يعاني أعظم المشاق والآلام، في سبيل إسلامه وعقيدته، وتخدم الإسلام عن هذا الطريق.
المشاركة في المعاناة
وكانت السيدة خديجة إذاً آمنت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت من السبّاقين إليه، لتبدأ حياة رسالية ممزوجة بالمعاناة والألم.
وأقامت معه في أحلك الظروف في أيام الحصار الذي فرضته قريش على الرسول و أصحابه في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات، صابرة على الجوع و الحرمان، صابرة على كل أنواع الضيم والقسوة التي فرضتها قريش.
وفي العام العاشر من البعثة النبوية فقد الرسول (صلى الله عليه وآله)) عمه أبو طالب وما هي إلا مدة وجيزة حتى فقد زوجته ومن وقفت معه تنصره و تشد من عزمه، فكانت وفاتها مصيبة عظيمة على قلب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد تبعتها مصائب وكوارث تحمّلها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)برباطة جأش وصبر على المكاره ورضاء من الحق عزّوجلّ.
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «ما اغتممت بغمّ أيام حياة أبي طالب وخديجة» (4).
كفن من الجنة
عندما اشتد بالسيدة خديجة المرض خاطبت رسول الله (صلى الله عليه وآله)):
إنّي خائفة من القبر، أُريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي تكفّنني فيه. فقام النبي(صلى الله عليه وآله) وسلّم الرّداء إليها، فسرّت به سروراً عظيماً، فلمّا توفّيت خديجة أخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في تجهيزها وغسّلها وحنّطها، فلمّا أراد أن يكفّنها هبطَ الأمين جبرائيل وقال: «يا رسول الله، إنّ الله يقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمّد إنّ كفن خديجة من عندنا، فإنّها بذلت مالها في سبيلنا». فجاء جبرائيل بكفنٍ، وقال: «يا رسول الله، هذا كفن خديجة، وهو من أكفان الجنّة أهداه الله إليها».
فكفّنها رسول الله(صلى الله عليه وآله) بردائه الشريف أوّلاً، وبما جاء به جبرائيل ثانياً، فكان لها كفنان: كفنٌ من الله، وكفنٌ من رسوله(5)
وفاء بعد الممات
توفيت السيدة خديجة و لكنها بقيت في قلب رسول الله يتذكرها بين الفينة والأخرى، ولم تستطع أي من زوجاته أن تختطف المكانة التي بنتها و زرعتها السيدة خديجة في قلب الرسول (صلى الله عليه وآله).
الهوامش:
1 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٧٤٦
2) الحسني : هاشم معروف، سيرة الأئمة الأثني عشر ،ج1 ص 46 ، الطبعة السادسة 1411 هـ ، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت
3 ) شجرة طوبى: 2 / 233
4 ) أمهات المعصومين ، المرجع الراحل آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي
5 ) شجرة طوبى 2/234.