الخشوع زينة الصلاة
رضي منصور العسيف
قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام:
فَأَمَّا حَقُّ الصَّلاةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنّهَا وِفَادَةٌ إلَى اللهِ وَأَنَّكَ قَائِمٌ بهَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَإذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ كُنْتَ خَلِيقًا أَنْ تَقُومَ فِيهَا مَقَامَ الذَّلِيلِ الرَّاغِب الرَّاهِب الْخَائِفِ الرَّاجِي الْمِسْكِينِ الْمُتَضَرِّعِ الْمُعَظِّمِ مَنْ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ بالسُّكُونِ وَالإطْرَاقِ وَخُشُوعِ الأَطْرَافِ وَلِينِ الْجَنَاحَ وَحُسْنِ الْمُنَاجَاةِ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَالطَّلَب إلَيْهِ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِكَ الَّتِي أَحَاطَتْ بهِ خَطِيئَتُكَ وَاسْتَهلَكَتْهَا ذُنُوبُكَ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
الصلاة ليست مجرد حركات وأقوال فارغة بل “هي عمود الدين – كما جاء في الحديث – أي أنها أساس الإيمان، وركن علاقة الإنسان بالله ورمزها، وهي معراجه إلى الله، ولغة التخاطب بين العبد وربه. فهي – في الواقع – محور لسائر القيم لأنك إن كنت خاشعًا في اللحظة التي تصلي فيها فإنك تعود إ لى فطرتك وطهرك ونقائك”(1).
وهي حصن من سطوات الشيطان، وكفارة لما قبلها، وبها تستنزل الرحمة، ويُنتهى عن الفحشاء والمنكر كما يقول تعالى:(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
الصلاة هي أحد البرامج الروحية التي ” يستوقف الإنسان فيها نفسه بين يدي ربه، في لحظات تأمل وتذكر وخشوع، لتجديد عهد الالتزام بالقيم والتمسك بالمبادئ، ونقض ما قد يصيب النفس من غبار الشهوات والأهواء” (2).
صلاة الخاشعين
الخشوع في الصلاة علامة كمال الايمان، بل هو زينة الصلاة كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخشوع زينة الصلاة (3).
ويجب أن يكون الخشوع (خشوع الأطراف) فيشمل خشوع البصر كما في قوله تعالى: (خشعا أبصارهم) ، وخشوع القلب كما في قوله عز وجل: * (ألم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله) ، وخشوع الصوت كما في قوله (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا).
وإن لم يتمكن المرء من تحصيل هذا الخشوع فعليه أن يتخشع كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا كنت دخلت في صلاتك فعليك بالتخشع والإقبال على صلاتك، فإن الله تعالى يقول: (الذين هم في صلاتهم خاشعون) (4). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا صلاة لمن لا يتخشع في صلاته (5).
لكي نخشع في صلاتنا:
علينا أن نقرأ عن الصلاة وأهميتها وآدابها، وأسرارها، وفي هذا المجال كتب العلماء العديد من الكتب النافعة يمكن الرجوع إليها والاستفادة منها، إلا أنني أذكر نفسي ببعض النقاط منها:
التهيؤ للصلاة
عندما تصلي فأنت في ضيافة الله، ومناجاة الله ولابد أن تكون مستعدًا لهذه الرحلة، متهيأ نفسيًا وعقليًا لهذا اللقاء، وعليك أن تقطع عنك كل الشواغل التي تسلبك وتؤخرك عن هذا اللقاء.
ابتعد عن التشويش العملي كأن تذهب لأداء الصلاة في المسجد فهو بيئة روحية لأداء الصلاة في أتم الخشوع إن شاء الله. كما يجب عليك أن تفرغ عقلك من التفكير في أمور العمل وغيره، ليكن عقلك متجهًا للصلاة كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا ذر! ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساهي (5).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): من صلى ركعتين يعلم ما يقول فيهما، انصرف وليس بينه وبين الله ذنب (6).
الاشتياق للصلاة
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قم يا بلال فأرحنا بالصلاة (7).
كن متشوقًا لأداء الصلاة، كما يشتاق الحبيب لمحبوبته.
من يعيش حالة العشق فإنه يرتقب ذلك الموعد الجميل الذي سيجمعه بمن يحبه.
اعشق صلاتك وستجد كيانك متفاعلا معها.
التركيز في الصلاة
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليكن أكثر همك الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين (8).
عندما يركز العامل في عمله فإنه ينجزه بأفضل صورة، وكذلك الصلاة تحتاج إلى تركيز في أداء فصولها، ويجب أن تعطي كل جزء من صلاتك حقه من التركيز.
صلاة مودع
الإمام الصادق (عليه السلام): إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع يخاف أن لا يعود إليها أبدا، ثم اصرف ببصرك إلى موضع سجودك، فلو تعلم من عن يمينك وشمالك لأحسنت صلاتك، واعلم أنك بين يدي من يراك ولا تراه (9).
عندما نفكر بأن هذه الصلاة قد تكون الأخيرة فإنك ستعمل على أداءها بصورة أكثر خشوعًا.
وما أجمل تشبيه سماحة الشيخ حبيب الكاظمي حيث يقول: إن الإنسان الخاشع لا يسهو في صلاته!..
فالركعة الأولى: حديث مشتاق مع رب العالمين..
والركعة الثانية: محطة مناجاة مع رب العالمين.
وفي الركعة الثالثة: يتذكر أنه قبلَ قليل قنت في صلاته ودموعه لم تجف بعد..
بينما الركعة الرابعة: فيها رائحة الوداع، بما تستلزمه من الهم والغم؛ فيعيش ألم الفراق، إذ أن الإنسان بعد لحظات سينتهي من لقاء الله عز وجل..
صلاة الإمام زين العابدين (عليه السلام)
لنتعلم من أئمة الهدى عليهم السلام كيفية أداء الصلاة بخشوع وتوجه إلى الله ، ولنقتبس منهم بعض الملامح، فها هو الإمام زين العابدين (عليه السلام) لما سقط رداؤه على أحد منكبيه ولم يسوه فسئل عن ذلك -: ويحك أتدري بين يدي من كنت؟!
إن العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه (10)
وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شئ إلا ما حركه الريح منه (11)