مقالات: لكل مقام مقال
بقلم: رضي منصور العسيف
في مجلس عزاء لأحد المؤمنين …
كان الخطيب بارعًا في حديثه عن موضوع بر الوالدين مبتدءًا حديثه بالآية الكريمة: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) الإسراء آية (23)
ثم ذكر العديد من الأحاديث التي تحث على ذلك منها ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (من بر والديه طوبى له، زاد الله في عمره). وعنه (صلى الله عليه وآله): (رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد). وقال الإمام الرضا (عليه السلام): (إن الله عزوجل أمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله)(1).
وذكر العديد من القصص وأعمال البر في حياة الوالدين وبعد مماتهما … وكان مجلس العزاء مؤثرًا نظرًا لمكانة المتوفي وأعماله الخيرية …
بعد تقديم العزاء وبعد خروجهما من المجلس … قال لصاحبه:
للأسف هذا الخطيب لايزال على مواضيعه القديمة … تقليدي … لم يقدم لنا أي جديد … مجموعة قصص وروايات حفظناها … مع هذه الثورة الثقافية إلا أن هذا الخطيب لا يزال جامدًا على ثقافته القديمة …
وبدأ ينتقد وينتقد …
نظر له صاحبه نظرة الغاضب قائلاً:
يا صديقي … لقد قدم هذا الخطيب ما يراه مناسبًا لهذه المناسبة هل تريد منه الحديث عن الاقتصاد العالمي… هل تريد منه مناقشة العولمة في القرن الحادي والعشرين … هل تريد منه الحديث عن التقدم الطبي وآخر الأبحاث والدراسات الطبية … هل تريد منه بحثًا فكريًا فلسفيًا …؟!!
يا صديقي… إن لكل مقام مقال … ودعني أقول لك ما يلي:
1) مجالس التذكير: هذه مجال تذكير وليست منتديات ثقافية، ونحن بحاجة إليها يقول تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) الذاريات آية (55)
رب كلمة تقال في هذه المجالس تكون مفتاحًا لصلاح فرد، وإيقاظ ضميره، والأخذ بيده لبر الأمان.
2) الخطابة فن وشجاعة: هل تعتقد أنها مجرد كلمات وقصص يسردها الخطيب؟! الخطابة فن التأثير في الآخرين وتحفيزهم نحو الأعمال الصالحة.
كما أنها شجاعة في الإلقاء والتعبير عن الرأي أمام حشد من الناس بمختلف المستويات الفكرية.
هل لديك القدرة والشجاعة في تقديم رأيك وتوجيه الناس نحو فكرة ما؟!
3)انتقد ولا تحتقر: من حقك أن تنتقد ولكن ليس من حقك احتقار الاخرين؟
قف مع الخطيب وتحدث معه، بين له الجوانب السلبية والإيجابية في خطابه.
اقترح عليه معالجة قضايا اجتماعية أو روحية أو مسألة دينة تراها مناسبة.
كونوا نقاد للكلام … انتقدوا بأسلوب حضاري.
4) ما تراه أنت بسيطًا يراه غيرك عظيمًا
في مثل هذه المجالس تذكر أن هناك مختلف الطبقات من الناس، والخطيب البارع هو الذي يستطيع توظيف خطابه بما يناسب المناسبة والحضور.
وما تراه حدثًا عابرًا قد يراه غيرك حدثًا له تموجاته في عملية التغيير… وقد يكون نقطة تحول إلى الأفضل.
5) ليست العبرة بما تمتلكه من معلومات وثقافة إنما العبرة في توظيف هذه المعلومة وهذه الثقافة لتكون سلوكًا ومنهجًا تربويًا تتعامل مع الناس بلباقة وحسن تصرف.
في هذه الأثناء رن هاتفه
رفعه … أجاب بصوت غاضبك
حاضر سوف أحضر بعد قليل …
يا أمي قلت لك حاضر …
فقلت له:
(وقل لهما قولا كريماً)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ” من أحزن والديه فقد عقهما”(2).
همسة
مهما بلغت ثقافتك فأنت تحتاج إلى تواضع ثقافي.
الهوامش:
1 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٦٧٤
2 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٦٧٨