الشيخ اليوسف يكشف أوراقه عن تجربته الكتابية مع شخصيات الفكر والأدب: الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف «4»
الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف – الحلقة «4»
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقدم لكم في الحلقة الرابعة من مبادرة ناصر حسين المشرف ( مع شخصيات الفكر والأدب)
تجربة الكتابة لدى شخصيتنا سماحة الشيخ الدكتور عبدالله احمد اليوسف
للكتابة دور مؤثر ورئيس في تقدم الشعوب والأمم، ونشر العلم والمعرفة، وتثقيف الناس بالمعارف الإنسانية والعلمية؛ فالكتابة الهادفة رسالة يستطيع من خلالها الكاتب أن ينتج أفكاراً ومعارف ونظريات تساهم في التنوير والتوعية العلمية والثقافية والمعرفية.
ومما يدل على أهمية الكتابة قوله تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾[1] ومن المعروف عند المفسرين أن الله سبحانه وتعالى عندما يُقسم بشيء فهذا يدل على عظمة المقسوم به، فعندما يُقسم الله عز وجل بالقلم وبما يسطره القلم من علم ومعرفة، فهذا يدل بوضوح على أهمية الكتابة ودورها في تقدم المجتمعات البشرية وازدهارها.
كما أن مما يدل على اهتمام الإسلام بمسألة الكتابة تأكيد القرآن الكريم في الكثير من الموارد على أهمية الكتابة فقد بلغ اشتقاقات مادة «كَتَبَ» في القرآن الحكيم 27 مرة.
وورد في السنة الشريفة الكثير من الأحاديث الدالة على أهمية الكتابة وفضلها. فقد روي عن رسول الله قوله: «إذا كان يوم القيامة وزن مداد العلماء بدماء الشهداء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء»[2] وقال الإمام علي
: «من مات وميراثه الدفاتر والمحابر وجبت له الجنة»[3] وقال الإمام الصادق
: «اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا»[4] .
بالنسبة لي شخصياً فإن الحديث عن القراءة والكتابة هو حديث عن الذات، وعن الأنا، فذاتي لا تتحقق إلا بهما، فقد أحببت الكتاب منذ أن كنت فتى يافعاً، ولا زلتُ لا أستطيع أن أعيش إلا في أجواء الكتب تحوطني من كل حدب وصوب، بل أحياناً أنام في المكتبة لعشقي لها!
أما الكتابة فهي تمثل لي المعشوقة الجميلة التي لا يضاهيها في العشق شيء آخر، فقد عشقت الكتابة منذ أن كنت في العقد الثاني من عمري؛ وأتذكر أنني عندما كنت في الصف الثاني للمرحلة المتوسطة طلب منا معلمنا في التعبير موضوعاً حول أي شيء، ولم يحدد لنا عدد الصفحات المطلوبة، فكتبت له 18 صفحة، وعندما اطلع المعلم على الموضوع وعدد الصفحات استغرب من طول ما كتبت واستدعاني، وقال لي: من كتب لك هذا الموضوع؟
فقلت له: أنا الذي كتبته.
فقال: غير معقول!
فقلت له: أنا يا أستاذ أحب الكتابة.
فقال: من أي كتاب أخذته؟!
فقلت له: لم آخذه من أحد، بل أنا الذي كتبته.
وتعجب من ذلك، وشكرني على الموضوع، وأعطاني علامة كاملة في مادة التعبير!
ما أريد قوله أن الكتابة هي جزء من حياتي، وهي هوايتي المفضلة، وهي معشوقتي التي لا أستطيع فراقها!
باكورة أعمالي الكتابية هو كتاب عن ( الإمام علي الهادي ) وابتدأ بعد ذلك مشواري في عالم التأليف والكتابة، ولتأليف هذا الكتاب قصة، وأقتبس هنا ما سبق لي أن كتبته حول قصة تأليف هذا الكتاب في مقدمتي للطبعة الثانية حيث ذكرت فيه: أن قصة تأليفي لكتاب الإمام العاشر من أئمة أهل البيت تتلخص في أن الحوزة العلمية التي كنت أدرس فيها أعلنت عن مسابقة، لتأليف كتاب عن الإمام الهادي
، على أن تقوم الحوزة بطباعة الكتب الفائزة بالجوائز الثلاث الأولى، فقررت المشاركة في المسابقة، وشرعت بقراءة الكتب التي تتناول حياة الإمام الهادي ، وفوجئت بقلة ما نقله لنا التاريخ عن حياة الإمام الهادي وسيرته، وقلة المصادر التي تتحدث عن حياته الشريفة بشكل تفصيلي.
ومع ذلك، لم أتراجع عن تصميمي على الكتابة عن حياة الإمام الهادي، واخترت أن أكتب عن البعد الفكري والدور السياسي للإمام الهادي ، وهو الجانب الأصعب في الكتابة عن حياته ، باعتبار قلة المادة في هذا الجانب، وعدم تطرق الكُتَّاب إلى هذا الموضوع بصورة تحليلية إلا فيما ندر.
وتوكلت على الله تعالى، وأنجزت الكتاب خلال أسبوع واحد من شهر رمضان المبارك لعام 1404هـ، وقدمته للجنة المشرفة على المسابقة. وكانت المفاجئة السارة لي أن الكتاب قد فاز بالجائزة الأولى في المسابقة، وقد غمرتني الفرح والبهجة لذلك الخبر السَّار!
وبعد فترة قصيرة من الزمن، صدر الكتاب مطبوعاً عام 1405هـ، وكان هذا باكورة أعمالي في عالم التأليف. وقد شعرت بسعادة لا توصف وأنا أرى أن كتاباً يصدر لي للمرة الأولى في حياتي، وعمري آنذاك لا يتجاوز 21 عاماً مما شجعني على مواصلة مشوار الكتابة والتأليف، كل ذلك ببركة الإمام الهادي (ع) [5] .
ثاني كتاب ألفته كان بعنوان: (الشخصية الناجحة) وقد لاقى هذا الكتاب رواجاً كبيراً بين الشباب وفي مختلف المناطق، وانتشر انتشاراً واسعاً لم أتوقعه، ووصلتني مئات الرسائل عبر البريد العادي من السعودية وخارجها والتي لا زلت أحتفظ بها، بل أن بعض القراء أرسلوا لي رسائلهم مزودة بصورهم وهم يحملون الكتاب في أيديهم!
وقد طبع هذا الكتاب ـ لحد الآن ـ خمس طبعات، ولا يزال هذا الكتاب يحظى بإقبال الشباب عليه، وقد أخبرني بعض الأصدقاء أن الكتاب أصبح مادة تدريسية في بعض المدارس الخاصة، كما أن بعض أساتذة الجامعات أرشدوا طلابهم إلى قراءة هذا الكتاب.
وقد كان لانتشار هذا الكتاب، وإقبال الشباب عليه، أكبر الأثر في الاهتمام بالكتابة عن الشباب وما يرتبط بهم من قضايا وهموم ومشاكل، وكتبت في هذا الحقل العديد من الكتب تتجاوز عشرة مؤلفات حول عالم الشباب؛ إذ وجدت نقصاً واضحاً في المكتبة العربية والإسلامية حول العناية بجيل الشباب وثقافتهم خصوصاً من الرؤية الدينية، وهو ما دفعني للاهتمام بهذا الحقل كثيراً.
يمكن أن ألخص منهجي في التأليف والكتابة من خلال النقاط الآتية:
1- الفكرة الرئيسة للكتاب: قبل أي شيء أحدد الفكرة الرئيسة للكتاب، والتي هي أساس البحث، إذ لا يصح أن يبدأ الكاتب الكتابة في موضوع معين قبل أن يحدد بدقة محور الكتاب وموضوعه.
2 – تصميم خريطة الكتاب: بعد تحديد الفكرة الرئيسة لموضوع الكتاب، أبدأ بتصميم دقيق لخريطة الكتاب، كما يصمم المهندس خريطته لبناء أي مبنى، وإلا فإن المبنى لن يكون قائماً على الأسس والمعايير الهندسية، كذلك الكتاب إن لم ترسم الخريطة التي تريد السير عليها، فإنك لن تستطيع صناعة كتاب وفق الأدوات التحريرية والمنهجية العلمية في التأليف.
وخريطة الكتاب يجب أن تحتوي على العناصر الآتية:
أ ـ المقدمة.
ب ـ تحديد الفصول الرئيسة للكتاب.
جـ ـ كتابة العناوين الفرعية لكل فصل من فصول الكتاب.
د – الخاتمة والتي يجب أن تحتوي على استنتاجات وتوصيات الكاتب، أو تلخيص لما كتب، أو تركيز على بعض الأفكار المهمة في الكتاب.
3 – البحث عن المصادر والمراجع: بعد تصميم خريطة الكتاب على الباحث والكاتب أن يبحث عن المواد الأولية التي تساعده على صناعة الكتاب، والتي تتمثل بالمصادر والمراجع التي يحتاجها في التأليف.
4 -البدء في الكتابة: بعد تلك المراحل الثلاث أبدأ في كتابة الكتاب بعدما أكون قد حددت الصفحات من المصادر والمراجع التي سأقتبس منها، أو يمكنني الاستفادة منها، بالرجوع إليها عند الحاجة.
5 ـ مراجعة المسودة: بعد الانتهاء من المسودة وكتابته على الكمبيوتر، – هذا في البداية وأما الآن أكتب على الحاسوب مباشرة – أراجع الكتاب من الأخطاء المطبعية، وفي نفس الوقت أصحح ما يحتاج إلى تصحيح، فقد أغير جملة بالكامل، وقد أبدل كلمة مكان كلمة، وقد أحذف وأضيف، وأستمر على هذا المنوال حتى تسليم الكتاب للمطبعة.
6- كتابة المقدمة: اعتدت في كتبي الأولى أن أكتب المقدمة في بداية تأليف الكتاب، أما الآن فقد عكست الأمر، حيث أقوم بكتابة مقدمة الكتاب بعد الانتهاء منه، لأنه قد يطرأ تعديل في خطة الكتاب وخريطته، فوجدت أن كتابة المقدمة بعد الانتهاء من الكتاب أفضل.
7- عنوان الكتاب: عادة ما أختار عنواناً أولياً للكتاب منذ البداية، إلا أنني بعد الانتهاء منه أضع عدة عناوين للكتاب، ثم أختار أحدها بعد أن تسيطر عليّ كل العناوين، وأفكر فيها جميعاً، إلى أن يستقر تفكيري على عنوان محدد، وللعنوان أهمية قصوى في التعريف بالكتاب، فالكتاب يقرأ من عنوانه كما يقولون.
يمكن القول أن لكل كاتب جيد أسلوبه الخاص به، وأن أسلوبه يعبر عن ذاته، وكما قال الكاتب الفرنسي ( بافون ): أسلوب الإنسان هو نفس الإنسان لذلك يمكن التعرف على شخصية أي كاتب وتوجهاته وأفكاره من خلال أسلوبه في الكتابة، وبما تحتويه كتبه من أفكار وأطروحات معرفية.
وقد اتبعتُ في أسلوبي المعتمد في مؤلفاتي على استخدام مفردات لغة العصر حتى في القضايا الدينية البحتة، وربط الأفكار بالواقع الذي نعايشه، كما حاولت اتباع منهجية تقوم على المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، وبين النصوص الدينية الصحيحة وحقائق العلم الثابتة؛ مع استخدام أساليب التشويق والترغيب بالقصص والطرائف والمعلومات الخفيفة والمفيدة، وكذلك تدعيم الكتاب بالأشعار الجميلة والحكم القصيرة، وإن كان هذا ليس دائماً وإنما بحسب نوعية الكتاب.
ومن جهة أخرى أتجنب عن قصد استخدام الألفاظ الصعبة، والعبارات المطلسمة، كما أبتعد عن الدراسات المعقدة والنظريات المجردة عن الواقع، فأنا أكتب للجميع، ولا أريد أن أضيع وقت القارئ العزيز في تفكيك العبارات المطلسمة، وفهم العبارات الصعبة، لأنه ليس لدى الجيل المعاصر من الصبر والوقت ما يكفي لذلك، كما كان يفعل الكتاب القدماء الذين يتعمدون استيراد العبارات الصعبة والمصطلحات المعقدة، وهو ما لا ينسجم مع رؤيتي للكتابة، ولا مع فهمي لمتطلبات الجيل المعاصر.
وأظن أن هذا أحد أسرار انتشار كتبي ورواجها بين الناس. فأسلوبي يقع في دائرة ( السهل الممتنع ) في غالب الأحيان.
لا زال يطرح بين الفينة والأخرى تساؤل مشروع إن كان هذا الزمن صالحاً للكتابة والكتاب، أم أن زمن الكتاب قد انقرض، ولم يعد له من فائدة في عصر القنوات الفضائية والإنترنت والهاتف النقال الذكي وغيرها.
وجوابي القاطع أن الكتاب كان وسيبقى ما دام للدنيا وجود، فالقنوات الفضائية تستمد موادها من الكتب؛ فالمسلسلات والأفلام هي عبارة – في الأصل – عن روايات أو قصص مكتوبة، وكذلك حال الإنترنت، فهو يحتوي على مواد مكتوبة، ولولا الكتب والمواد المكتوبة الأخرى لما كان له مادة علمية ومعرفية يسوّد بها صفحاته اللا محدودة.
ثم أن جدوى الكتابة تتضح من خلال معرفة أهميتها التي يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:
1ـ نشر الفكر والعلم: إن الكتابة هي الوسيلة الرئيسة لنقل العلوم والمعارف، فبدون تدوين العلوم وتسجيلها في الكتب لا تنتقل من عصر لعصر، ومن حضارة إلى حضارة أخرى.
2- تراكم المعرفة: كما أن الكتابة سبيل للتراكم العلمي والمعرفي والثقافي، فالحضارة الماثلة أمامنا اليوم هي نتاج لما دوّنه السابقون، وتراكم كبير في جميع مجالات المعرفة والعلم. وبدون هذا التراكم لم يكن بإمكان الإنسان الغربي اليوم أن يبني هذه الحضارة التي نشاهدها ماثلة أمامنا.
3- حفظ التراث والمعارف البشرية: إن الكتابة تساهم في حفظ التاريخ الإنساني والحضاري، فالأحداث التاريخية التي حدثت قبل آلاف ومئات السنين لولا الكتابة عنها لما وصلت إلينا. والتاريخ هو تجربة الإنسان على الأرض، ومن الضروري أن يستفيد إنسان كل عصر من تجارب السابقين ويتعلّم من الأمم السابقة والحضارات الأخرى.
4- الارتقاء الحضاري: إن الكتابة دليل على تحضّر الأمم والشعوب، فالأمة المنتجة فكرياً ومعلوماتياً هي صاحبة المركز المتقدّم بين أمم العالم اليوم، ولذلك تعتبر الدول العربية من الدول المتأخرة نسبيًّا وذلك بسبب قلّة ما تساهم به في مجال العلم والمعرفة العالميين في عصرنا الحاضر.
لهذه الأسباب وغيرها ستبقى الكتابة مهمة ومطلوبة، ولن ينتهي دورها مهما تطور الزمان وتغير.
هل سأتوقف في يوم ما عن الكتابة؟!
أقول لكم بصدق: أحياناً ينتابني شعور داخلي بأنه يجب عليَّ أن أتوقف عن الكتابة، خصوصاً بعد الانتهاء من كتابة كتاب يستغرق مني جهداً ووقتاً كبيراً، ولكن ما ألبث أن أعود إلى معشوقتي التي لا أستطيع أن أتنفس إلا بمسامرتها ليلاً ونهاراً!
لذلك أقول وأنا مطمئن: لن أتوقف عن الكتابة إلا لسبب قاهر، فما دمتُ أستطيع ممارسة الكتابة سأكتب إلى أن يقضي الله أجلاً مسمى، أو لأي سبب قاهر يمنعني عن ممارسة الكتابة!
ودائماً ما أواجه من يقول لي: لم يعد للكتاب من قيمة، والناس قد عزفوا عن الكتب، ولم يعد هناك من يشتريها!
أقول لهم: سأكتب إن لم يكن للجيل الحاضر فللأجيال القادمة، مع العلم أن الجيل الحاضر يقرأ أيضاً وإن بنسب متفاوتة من مجتمع لآخر ومن وقت لآخر.
فما زلت وسأبقى أنقب عن أفضل الأفكار وأنضجها لأقدمها للقراء لأعزاء وهي جاهزة للاستخدام لمن أراد أن يستفيد منها، أو يقوم يردها أيضاً!
وبعد مشوار استمر ما يقرب من أربعين عاماً وأنا أكتب وأقرأ، وأنقب عن الأفكار كما تنقب شركات النفظ عن البترول والغاز والمعادن الأخرى في باطن الأرض وأعماق البحار، أستطيع أن أضع للقارئ الكريم مجموعة من القواعد لكل من أراد أن يكون كاتباً ناجحاً.
وتتلخص هذه القواعد الذهبية في النقاط التالية:
1- الرغبة في الكتابة: فالكاتب – كي يبدع في الكتابة – لابدّ أن تكون لديه الرغبة الجامحة في الكتابة والبحث والتأليف، فهو لن يكون كاتباً بالممارسة فقط ما لم يصاحب ذلك رغبة جادّة في الكتابة.
2-الصبر على البحث: الكتابة بطبيعتها تحتاج إلى صبر وتحمّل، خصوصاً تأليف الكتب والبحوث والدراسات الجادّة، فهي تحتاج إلى صبر وتأنٍّ من الكاتب حتى تخرج هذه المؤلفات والدراسات بشكل علمي ومتقن.
3- الإلمام بعلوم اللغة العربية: إذ يحتاج الكاتب إلى الإلمام بالقواعد الأساسية في النحو والصرف والإملاء والبلاغة وبعض فنون الأدب العربي. لأنَّ الإخلال بقواعد النحو – مثلاً – أو الإملاء أثناء الكتابة معيب في حق الكاتب، كما أن القارئ يشعر بعدم الراحة عندما يقرأ فيجد بين جملة وأخرى خطأ نحوياً أو إملائياً ويستهجن من الكاتب هذه الأخطاء، خصوصاً إذا كانت أخطاءً فاحشة.
4- جودة الأسلوب: فالاهتمام بالأسلوب أمر ضروري لأي كاتب، خصوصاً إذا أراد هذا الكاتب أن يكون ناجحاً، فمن أهم عناصر النجاح اختيار اللغة والأسلوب المناسبين اللَّذَين يحملان شيئاً من التجديد في الفكرة واختيار الكلمات الجيدة والمشوّقة.
5- النهم في القراءة: أي كاتب – وخصوصاً ذلك الذي يبحث عن الجودة والإبداع في الكتابة – لا يمكن أن يكتب من فراغ، ودون أدنى خلفية ثقافية وعلمية يملكها، لأن من يقدم على الكتابة وهو لا يملك المحصّلة الثقافية الجيدة غالباً ما تكون كتابته سطحية ولا تحمل جديداً. لذلك يحتاج الكاتب – كي يكون مبدعاً – إلى نهمٍ في القراءة، فذلك يصقل موهبته الأدبية، ويزوّده بالكثير من المعلومات الجديدة.
وقد قرأ العلامة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني عشرة آلاف كتاب كي يتمكن من تألف كتابه القيم موسوعة الغدير، كما تفرغ للبحث والتأليف، ومن أجل إنجاز هذه المهمة الصعبة ترك درسه وبحثه للتفرغ التام للكتابة. كما كان يقرأ ويكتب في اليوم الواحد أكثر من 16 ساعة.
وذكر الشيخ محمد جواد مغنية في تجاربه أنه كان يعمل يومياً ما بين 14-18 ساعة، ولذلك أنتج الكثير من المؤلفات القيمة.
فلكي تكون كاتباً جيداً عليك أن تكون قارئاً نهماً.
6- الاستفادة من تجارب الآخرين: لأن تجارب الكتّاب السابقين – عادة – ما تكون غنية بالتجارب المفيدة التي تساعد الإنسان ـ خصوصاً المبتدئ ـ في صقل موهبته وتشجيعه، خصوصاً وأن مجتمعاتنا لا يجد فيها المبتدئ من يدفعه ويشجّعه للمضي في مشواره والإبداع فيه، وهذا شأن معظم الكتاب. فإذا تعرّف الإنسان على تجارب الماضين وكيف تغلّبوا على المعوّقات التي واجهتهم قد يدفعه ذلك إلى التحمّل والمضي قدماً.
7- ممارسة الكتابة: كي يبدأ الكاتب مشواره في الكتابة عليه أن يخوض غمار الكتابة والنشر، لأن الكتابة لا تصل مرحلة الإبداع والجودة دون المرور بمرحلة التجربة والتمرين، فإذا أردت أن تكون كاتباً فاكتب ثم اكتب ثم اكتب.
8- الاستفادة من أدوات البحث الحديثة: ساهم الكمبيوتر في تسهيل البحث كثيراً، فبينما كنت في الماضي عندما أريد استخراج آية قرآنية لأعرف في أي سورة ورقمها أستغرق أكثر -أو أقل- من نصف ساعة وأنا أبحث في كتاب المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم، لا أحتاج في الوقت الحالي إلى أكثر من ربع دقيقة لاستخراج أية آية شريفة من القرآن الكريم. وفي حين كنتُ في الماضي أستغرق ساعات طويلة لاستخراج حديث شريف من كتاب بحار الأنوار – مثلاً- الذي يحتوي على 110 مجلد من المجلدات الكبيرة، لا أحتاج في الوقت الحالي – وبفضل برامج الحديث الإلكترونية- سوى إلى لحظات قليلة لاستخراج أي حديث، ومعرفة في أي كتب الحديث موجود، وعلى ذلك قس بقية الأمثلة.
بل أن بعض كتبي الأخيرة لم أستخدم فيها الورق أصلاً، بل أكتبها مباشرة على الكمبيوتر، وهو ما يوفر الكثير من الوقت والجهد.
وفي نهاية المطاف، وبعد قراءتك لهذه التجربة الخاصة في القراءة والكتابة، أنصح كل من يرغب أن يكون كاتباً أن يضع لنفسه برنامجاً للمطالعة والقراءة، وأن يعود نفسه على ذلك، قد تكون البداية صعبة، لكن كل امرئ وما اعتاد، فتعود على المطالعة والقراءة، فهي من أفضل العادات الحسنة والجميلة والمفيدة.
وبعد أن تكون قد امتلكت رصيداً جيداً من العلم والمعرفة، ما عليك سوى أن تقرر أن تكون كاتباً، فخذ قلماً وورقة واكتب مقالاً في أي مجال يعجبك، وانشره في أحد المواقع الالكترونية المتاحة، وما أكثرها اليوم ! وسترى السعادة تغمرك وكأنك حققت شيئاً لم تتصوره في يوم من الأيام. وبعد ذلك مارس الكتابة باستمرار حتى تصبح كاتباً متميزاً.
لا تتردد في اتخاذ القرار، ثق بنفسك، وبقدراتك الكتابية، وتوكل على الله، وسر على بركة الله، واطلب التوفيق والعون من الله، وابدأ باسم الله، ولا تنس أن تكون على طهارة، فإن ذلك يزيد في توفيقك وعطائك.
والآن…
هل قررت ذلك؟
نأمل أن يكون الجواب:
نعم!
بارك الله فيك شيخنا العزيز
وشكر الله سعيك على جهودك الطيبة والرائعة والمتميزة في نشر علوم أهل البيت عليهم السلام والمعرفة والثقافة المتنوعة.
وتستحق التكريم تقديرًا وعرفانًا للجهود التي بذلتها وتميزت في عطاءك المتنوع على المستوى الاجتماعي والمستوى الفكري والأدبي.
فقد استفدنا من عطاءك العلمي.
جزاك الله خير الجزاء ووفقك الله لكل خير