كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسين آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي جعل شهر رمضان شهر الضيافة ومرتقى الكرامة وموسم الحكمة والصلاة والسلام على المصطفى الاكرم محمد وآله الأخيار الأبرار الطيبين الطاهرين
(شهر رمضان شهر ضيافة الله وكرامته)
قال الرسول الاكرم محمد(ص)(هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله)
الضيافة من اجمل مايتمثله الانسان في حياته وهي سلوك راقي وتصرف عظيم يستحق التقدير والاجلال
وهي بذلك تكشف عن طيب وكرم فاعله وسلامة وصحة روح صانعه
بخلاف الممتنع عن ذلك والممسك ولذلك وردت آيات وأحاديث في المدح والثناء على فاعل الضيافة والعطاء والكرم والجود والسخاء
وفي المقابل فيه ما فيه من الذم والتقريع لمن يلبس لباس البخل والشح والامتناع لما ورد في الآيات والاحاديث
والضيافة من ناحيتها الشكلية والمادية قد ندب إليها الإسلام ودعا اليها واعتبرها سمة من سمات الخير وسبيل من سبل المحبة والمودة وسبب من اسباب التقارب بين بني الانسان
وهي احد المكارم العشر كما يقول الامام جعفر الصادق (؏)(المكارم عشرة فإن استطعت ان تكون فيك فلتكن ، احدها اقراء الضيف)
وبها ترحل الذنوب وتمحى وقد قال رسول الله (ص)(الضيف ينزل برزقه ويرتحل بذنوب اهل البيت)
وعبرها ينال صاحب الضيافة رزقه في اسرع حال وقد ذكر ذلك رسول الله (ص)(الرزق اسرع الى من يطعم الطعام من السكين في السنام)
ويقول ايضًا (ص)(البيت الذي يمتار منه ، الخير والبركة اسرع اليه من الشفرة في سنام البعير)
وفي المقابل من يعرض عن الضيافة ويمتنع عنها يوقع نفسه في الحرمان من رحمة الله تعالى ومن دخول ملائكة الله الى داره
اذ يقول رسول الله (ص)(كل بيت لا يدخل فيه ضيف لا يدخله الملائكة)
ويعني ذلك حرمان هذا البيت من الخير والبركة
ولذلك من يكون على ادراك لهذا المعنى تراه اشد الحرص على دعوة الأضياف الى داره واذا لم يدخل داره ضيوف ولو الى فترة قصيرة يصاب بالحزن والاسف وقد ذكر ان امير المؤمنين (؏)(رئي امير المؤمنين (؏) حزينًا فقيل له مم حزنك؟ قال: لسبع أتت لم يضف الينا ضيف)
نعم انه سلوك جميل وفعل عظيم ينال فاعله عليه الأجر والثواب والتقدير والتكريم
وبالخصوص حين يصاحب هذا الفعل حسن تصرف وطيب نفس وطهارة قلب وهذا ماينبغي ان يكون فيما بين الناس مع بعضهم البعض
اما انه هناك ضيافة ودعوة هي اعظم وارقى واعلى مما هو كائن بين بني البشر
الا وهي ضيافة الله تعالى ودعوته
وكيف لا تكون كذلك وهي مقدمة من رب السموات والارض الذي هو اعظم من في الوجود واكرم من كل كريم واجود من كل جواد !
فاذا ماكانت الضيافات بين الناس في اطارها وشكلها الظاهري والمادي
فإن ضيافة الله تعالى هي في اتجاه آخر وتقديم مختلف مع مافيها مما هو كائن في ضيافة الناس ودعواتهم اذ انه هو المطعم قبل كل مطعم وساقي قبل كل ساقي ومعطي قبل كل معطي ومكرم قبل كل مكرم
فضيافة الله تعالى كما يمكن ان يفهمها البعض في ميدانها الشكلي والمادي الا انها ابعد واوسع مما في اذهان البعض وادراكهم وتصورهم
فضيافة الله ومأدبته هي مقدمة الى الارواح الظماء والنفوس العطشى والقلوب اللهفى
كما يقدم الطعام وبكل انواعه واشكاله وكذلك الشراب واصنافه ضيافة الى من تحمل الجوع والعطش
وكذلك يقدم الى الارواح والنفوس والقلوب طعامًا وعذاءً ما يتناسب وتلك الارواح والنفوس وهذا لا يكون الا في ضيافة الله تعالى ومأدبته
وهذا ماقصده رسول الله (ص) وعناه بقوله (هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله)
فما هذه الدعوة والضيافة التي يقدمها رب العزة والجلال؟
انها دعوة الخير وضيافة الروح الى ماينعشها ويصلحها ويرفعها الى مراتب الكمال ومنازل الملاك وذلك عبر مايقوم به من عبادات وطاعات وتلاوات وتأملات وعطاءات وقربات واحسان وحسنات وصلح واصلاحات ورفق ورحمات
بهذا يكسب الانسان الصائم من ربه التكريم ويدرج في صفاف اهل دعوته وضيافته وبالتالي اعظامه واكرامه وعزته وكرامته
–
نسأل الله المولى الكريم أن يكرمنا بلطفه وجوده وان يجعلنا في هذا الشهر الكريم من اهل ضيافته واهل كرامته واهل حبه ورضوانه
انه ربنا على ما يشاء قدير والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة ١٤|٩|١٤٤١ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس