مقالات: الطريق إلى جهنم أم للجنة؟
بقلم/ تركي العجيان
يستحيل أن تسأل نفسك أو أن تسأل أحدهم إلى أين مقصدك؟ فيكون الجواب إلى جهنم!
فالجميع منّا لا يحدث نفسه إلا بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن نسير في طريق الجنة أم أننا نسير في طريق جهنم؟
يقول تعالى: {أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا یَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَاۤءُ وَٱلضَّرَّاۤءُ وَزُلۡزِلُوا۟ حَتَّىٰ یَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَاۤ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ} “البقرة؛ 214″؛ وما نعيشه اليوم من بلاء عظيم إنما هو جرس إنذارٍ لنا لنراجع أنفسنا، هل نحن نسير باتجاه الجنة، أم باتجاه جهنم؟
وحتى نتمكن من الوصول إلى حقيقة الإجابة، علينا أن نتوقف قليلاً مع أنفسنا، ونتساءل: ماذا يريد الله سبحانه وتعالى منّا؟
لعلٌ البعض يتصور أن الله سبحانه يريد منّا أموراً تعجيزية، وأن حياتنا لا يمكن أن تكون في الاتجاه الذي يريده الرب سبحانه. ولكن هذه التصورات ما هي إلا أفكارٌ شيطانية هدفها إنحراف الإنسان عن جادة الطريق، ليتجه بنفسه إلى جهنم والعياذ بالله.
ولكي نعكس موضوع حديثنا فيكون توجّهنا هو الطريق إلى الجنة، فعلينا أن نتجاوز ثلاث محطات أساسية لا يمكن لنا الدخول إلى طريق الجنة إلا بعد تجاوزها بسلام، وحين نتجاوزها فإننا سنرى بوضوح طريق الجنة، فإذا وصلنا الطريق بسلام يمكننا حينها أن نرتقي في درجات العروج إلى المولى سبحانه وتعالى، وحيث أن هذه الدرجات لا نهاية لها، فما عليك سوى أن تبذل قصارى جهدك في الارتقاء، وقبل ذلك تذكر جيداً أن الدخول إلى طريق الجنة لا يكون إلا بتجاوز تلك المحطات الثلاث، فما هي إذن تلك المحطات؟
أولاً- أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك.
حين يتصور البعض أن الالتزام بالشرائع الإلهية أمر عصيب، فهو لم يفهم بعد ولم يدرك حقيقة تلك الشرائع. فالله سبحانه لم يفرض علينا فرضاً إلزامياً إلا في الحدود الدنيا، ولم يحرّم علينا شيئاً إلا هو أدنى ما يمكن، وما بينهما مساحة واسعة للتنعم في هذه الحياة الدنيا، يقول تعالى: {قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِینَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِیۤ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّیِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِیَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا خَالِصَةࣰ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِۗ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡآیَاتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ} “الأعراف 32”.
فحين يفرض الله تعالى علينا الصلاة في وقتٍ معين فعلينا الالتزام بذلك بكل حبٍّ ورضا، بل وأن نسعى جاهدين لذلك لا أن نسترسل في نوم عميق لنضيّع على أنفسنا فرصة بلوغ طريق الجنة. وهكذا حين يفرض علينا الصيام والزكاة والخمس والحج وسائر العبادات التي هي في حقيتها طهارةٌ لقلوبنا وتزكية لأنفسنا وامتحان يسير جداً لمن يريد بحق طريق الجنة.
فلتكن هذه قاعدة في حياتنا أن لا يفقدنا الله تعالى حيث أمرنا، ولا يرانا حيث نهانا، فحين تكون المسألة بين الحلال والحرام فلا ينبغي لنا ان نتهاون في الأمر، بل علينا أن نكون جادين لأن التهاون قد يسلك بنا طريق جهنم والعياذ بالله.
ثانياً- كن مسؤولاً في عائلتك.
يقول رسول الله (ص): 《كلّم راعٍ، وكلّكم مسؤولٌ عن رعيته》، فالحديث صريح للغاية: كلّكم، سواء كنت صغيراً أو كبيراً، زوجاً أو زوجةً، أباً أو أمّاً، الجميع مسؤول. ولا يصح أبداً أن يوكل مسؤولياته لغيره إلا لظروف استثنائية وهي محدودة جداً. فربّ الأسرة مسؤولٌ عن أسرته وتلبية احتياجاتهم الأساسية والضرورية، وحين تتعارض رغباته الذاتية مع احتياجات الأسرة الملحة فلا مجال أبداً ترجيح رغباته على تلبية تلك الاحتياجات إذا كان فعلاً يريد بلوغ طريق الجنة. وكذلك الزوجة أو الأم لا يصح أبداً أن ترى نفسها غير مسؤولة عن بيتها، بل عليها أن تتيقن أنها الركن الثاني للبيت وبغياب مسؤولياتها قد ينهدم البيت على الجميع، فحين تتطلع الزوجة أو أم للدخول في طريق الجنة فعليها أن تتيقن أن ذلك مرهونٌ بمدى أدائها لمسؤولياتها تجاه أسرتها. وكذلك الأبناء والبنات لا يصح مطلقاً أن يكونوا ضيوف شرف في أسرهم، بل عليهم أن يتحملوا مسؤولية في الأسرة، وعليهم المبادرة بأنفسهم دون أن يكون ذلك فرضٌ من الأب أو الأم عليهم. فما أروعها من حياةٍ أسرية حين يلتزم الجميع بمسؤولياته، ويؤديها بكل مودة ورحمة ورضا نفس. فعجباً من أؤلائك الذين يهملون أسرهم ولا يمثل لهم البيت سوى فندق يأتيه متى شاء ان يأكل أو ينام، ومن اؤلائك اللاتي يهملن بيوتهن وأزواجهن بذرائع واهية ما أنزل الله بها من سلطان بأن دورهن في البيت ليس واجباً شرعاً، رغم أنه قد يكون واجباً شرعاً بعنوانٍ ثانوي، ومسؤولية أخلاقية وعائلية بعنوانٍ أولي. فماذا يحتاج هؤلاء أعظم من بلاءٍ ينزله المولى تعالى بالأمة حتى يستيقظ من كان غافلاً عن تحمل مسؤولياته، فهل من معتبر؟
ثالثاً- دافع عن حقوقك، ولا تتعدى على حقوق الآخرن.
صراع الحقوق بين الناس معركةٌ لا تنتهي أبداً، وكأنها قضيةٌ غامضة لا حلّ لها. وهنا أقول: تيقن أن كل قضية عالقة وتتطلب محاكم هناك معتدٍ على حق الآخر، ولا يوجد هناك من لا يدرك حقيقة اعتدائه على حق غيره إلا أن النفس حين تطغى فإنها تعمى عن الحقيقة. فما يضرك إن اخذ الآخر حقه، وأنت أخذت حقك؟
والأدهى والأمر أن تجد هناك من يدرك أن الآخر يمكنه أم يأخذه حقه بطرقٍ مشروعة إلا أنه يريد أن يعرقل الأمر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وفي الأخير تجدنا نقول نريد طريق الجنة، إن هذا هو طريق جهنم والعياذ بالله.
إن هذه المحطة رغم أنها يفترض أن تكون أسهل المحطات، إلا أنها أكثرها خطورة، واكثر الناس يسقطون فيها، فعجبي ما ضرّ هؤلاء أن يتركوا الناس في حالهم ليأخذوا حقوقهم بسلام.
ولا يقتصر موضوع الحقوق في الجوانب المادية فحسب بل حتى الجوانب المعنوية، وما أكثر المتورطين في هذا الجانب.
يقول الشاعر:
أنت أخي ما دمت محترماً حقي
آمنت بالله أم آمنت بالحجر
فلتكن لديك قاعدة في حياتك إذا أردت فعلاً بلوغ طريق الجنة، وهي أن تدافع عن حقوقك، ولا تتنازل عنها، وأن يكون ذلك في إطار احترامك لحقوق الآخرين وعدم تعديك عليها مطلقاً بأي حال من الأحوال. نعم هناك فرق بين نكران الحق على الآخرين، وبين عدم القدرة على أدائها لضائقةٍ معتبرة، فالله تعالى يقول: {وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةࣲ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَیۡسَرَةࣲۚ} “البقرة 280”.
أيها الأحبة إن بلوغ طريق الجنة من أيسر ما يمكن حين ندرك حقيقته، إلا أنه يتطلب منّا شيئاً من الجهد البسيط، والذي ببذله نبلغ ذلك الطريق الذي فيه من النعم والخيرات ما لا يمكن أن تدركه العقول، وحتى نرى هذه الحقيقة بوضوح علينا أن نعقد العزم بإرادةٍ ذاتية، وتوكلٍ على الله تعالى بأن يوفقنا سبحانه للنجاح في تلك المحطات الثلاث لنستحق بذلك رضاه، وأن يجعلنا ممن يوفقون لبلوغ طريق الجنة لندخلها بسلامٍ آمنين.