الإمام الحسين (ع) من زاوية أخرى
بقلم: تركي العجيان
حين نذكر الإمام الحسين (ع) فإن أول ما يجول في خاطرنا تلك الملحمة البطولية التي سطّرها سيد الشهداء (ع) في يوم عاشوراء، ففدى بنفسه وأهل بيته والخلّص من أصحابه الشريعة الغراء وأحيى بشهادته الدين الحنيف.
إلا أن الإمام الحسين (ع) لا يقتصر مداه في يوم عاشوراء، فعاشوراء هي آخر محطات حياة الإمام الحسين (ع)، فماذا عن سنوات حياته المباركة التي كانت فيضاً من العطاء؟
هنا لابد لنا من وقفة تأمل مع هذه الشخصية التي سيطرت على قلوب الملاين من البشر، ولا يمكن لأي مخلوق على وجه الأرض أن يمرّ على سيرة الإمام الحسين (ع) إلا وينحني إجلالاً وإكباراً لهذه الشخصية العظيمة.
اليوم ونحن نعيش ذكرى ولادته المباركة جال في خاطري أن أتنقل بين أزهار حياة الإمام (ع) من زوايا أخرى غير زاوية كربلاء، رغم ما لهذه الزاوية من أثرٍ عجيب يأسر النفس بلا إرادة. ومع ذلك سأتجاوز هذا الأسر لأنتقل لزوايا أخرى نستشرف منها عبق الولاء لهذا الإمام العظيم.
نحن عندما نتحدث عن الدعاء والمناجاة فإننا قد لا نذكر الإمام الحسين (ع) كثيراً في هذا الجانب، وإنما ينصرف ذهننا لغيره من أئمة أهل البيت (ع)، ولكننا حين نتأمل قليلاً نجد أن للإمام الحسين (ع) أعمق الارتباط بالله سبحانه وتعالى، فبدءً من كنيته المباركة فهو أبو عبد الله الحسين (ع) وهي كنيته التي أطلقها عليه رسول الله (ص)، ورغم أن عبد الله الرضيع هو أصغر أولاد الإمام الحسين (ع) إلا أن رسول الله (ص) اختار له هذه الكنية ليؤكد عمق الارتباط بين الإمام الحسين (ع) والخالق سبحانه وتعالى.
ولا نذهب بعيداً فكل موالي لأهل البيت (ع) لابد وأن سمع عن دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة، وفي الحج أو في غيره مؤكد أنه قد قرأ هذا الدعاء الشريف الذي يحمل في كل فقرةٍ من فقراته أسمى معاني التقرب من الله سبحانه.
هذا الدعاء الذي يرسم خارطة العروج إلى المولى سبحانه وتعالى، والذي يُذكّرنا بعظيم نعم الخالق علينا، فما أعظمه وأجلّه من دعاء.
و في زاوية اخرى حين نتحدث عن الكرم والعطاء ومواساة الضعفاء والأيتام والأرامل في سيرة الأئمة (ع) فإنه لا يخطر ببالنا الإمام الحسين (ع)، ولكننا حين نقرأ في سيرة حياته نجد أن هذه السمة بارزةٌ في شخصيته المباركة، ونقف عند موقفين فقط:
(1) يقول المؤرخون إن الإمام الحسين (ع) كان يحمل في دجى الليل الجراب يملؤه طعاماً ونقوداً إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين حتى أثر ذلك في ظهره، وكان يُحمل إليه المتاع الكثير فلا يقوم حتى يهب عامته، وقد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل إليه بهدايا كما أرسل إلى غيره من شخصيات يثرب وأخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الهدايا فقال في الحسين (ع): “أما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين فإن بقي شئ نحر به الجزور وسقى به اللبن “. وبعث رقيباً يرى ما يفعله القوم فكان كما أخبر.
(2) روى أنس قال: كنت عند الحسين (ع) فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحانة فحيته بها، فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالى، وبهر أنس فانصرف يقول: جارية تجيئك بطاقة ريحان، فتعتقها؟!!
فقال الإمام الحسين (ع): هكذا أدبنا الله، قال تبارك وتعالى: ” وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها “، وكان أحسن منها عتقها.
وهنا رسالة لنا جميعاً فحين نقدّم عطاءً ينبغي أن يكون توجّهنا خالصاً لوجه الله تعالى بعيداً عن الصدى الإعلامي، حيث في عصرنا اليوم أصبح الصدى الإعلامي هو الهدف الظاهر في كثيرٍ من مظاهر التكافل الاجتماعي، وقلّ أن تجد من ينتهج نهج الإمام الحسين (ع) الذي عاش حياته معطاءً ومضى عن الدنيا كريماً عظيماً شهيداً دون أن يترك صدىً إعلامياً. فما بالنا اليوم لا يكاد الواحد منّا أن يتصدّق على فقير إلى وقد نشر ذلك في مختلف وسائل التواصل المختلفة، أترانا بذلك نتوجّه للخالق سبحانه أم للمخلوقين؟
وأما الزاوية الأخيرة في هذه الرحلة فهي تتمثّل في الحب عند الإمام الحسين (ع)، وقد يبدو هذا الأمر غريباً، ولكنه واقعٌ في حياة الأئمة (سلام الله عليهم أجمعين).
لقد تزوّج الإمام الحسين (ع) بأكثر من زوجة، وبطبيعة الحال فإن النساء لسيو سواء، وهنا قد تبرز شخصية على أخرى من حيث الحب والإكرام وهذا لا يُنافي العدل المفروض على الرجال بين النساء.
وهنا نجد الإمام الحسين (ع) قد أبدى حبه الخاص لإحدى زوجاته وهي الرباب بنت امرؤ القيس الكندي وهو مسيحي جاء إلى المدينة، فأراد أن يتعرف على الإسلام، فقابل أمير المؤمنين (ع)، وكانت عنده أسئلة، ولم يستطع أحد أن يجيب على أسئلته إلا أمير المؤمنين (ع). فأبدى رغبته في أن يصاهر الإمام (ع)، فقال له: لو يصبح بيننا نسب، فهذا شيء طيب.
فاقترح هذا الرجل على الإمام الحسين (ع)، وقال: أنا لدي بنت هي الرباب، جميلة، مؤدبة، وأحب أن يصاهرني واحد من عندكم. فتزوج الإمام الحسين (ع) الرباب بنت امرؤ القيس، وأنجبت له عبد الله الرضيع، والسيدة سكينة.
وكان الإمام (ع) يحبها حبا كثيراً، وهي تبادله ذلك. حتى نُقلَ عنه سلام الله عليه، الشعر المعروف:
لعمرك أنني لأحب داراً
تحل بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي
وليس لعاتبٍ عندي عتاب
وبادلت الرباب الإمام الحسين (ع) كلّ الحب، فقد خطبها – بعد كربلاء – أشخاص كثيرون، فقالت: “مَا كُنْتُ لِأَضَعَ رَأْسِي عَلَى وِسَادٍ مَعَ أَحَدٍ بَعْدَ الحُسَينِ (ع)”. فكان تعلقها بالقلب إلى الحد الذي فارقت به الحياة بعد سنة واحدة من كربلاء. رغم أن عمرها ما كان كبيراً، ولكن ذلك لعمق تعلّقها وحبّها ووفائها للإمام الحسين (ع).
هكذا يُمكننا أن نتصفّح من سيرة سيد الشهداء (ع) صفحاتٍ مشرقة تنير لنا الدرب في حياتنا، وما أجمله أن نتتلمذ على نهجه المبارك فنعيش حياةً سعيدةً في الدنيا والآخرة.