عاشوراء ملهمة
رضي منصور العسيف
عاشوراء ليست حدثًا تاريخيًا مأساويًا نقرأ تفاصيله في المجالس الحسينية، وهي ليست مناسبة تقام في أيام معدودة، وليست مجرد أعمال وبرامج ثقافية وتطوعية يقيمها محبي الحسين (عليه السلام) بل هي أكبر من ذلك، فهي مشاعل من نور وهي مناسبة تلهم الإنسانية القيم والمثل. وهي مدرسة تخرج رجال يتميزون بالوعي (إيمان وعمل وعلم وأخلاق).
وتكتسب عاشوراء هذه الميزة لأن (مؤسسها) و (بطلها) الإمام الحسين (عليه السلام) “سيد شباب أهل الجنة” الذي يقول عنه محمد علي جناح، مؤسس دولة باكستان:
لا تجد في العالم مثالاً للشجاعة كتضحية الإمام الحسين بنفسه واعتقد أن على جميع المسلمين أن يحذو حذو هذا الرجل القدوة الذي ضحّى بنفسه في أرض العراق.
ويقول عنه توماس كارليل، الفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي
أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله، وقد أثبتوا بعملهم ذاك أن التفوق العددي لا أهمية له حين المواجهة بين الحقّ والباطل والذي أثار دهشتي هو انتصار الحسين رغم قلّة الفئة التي كانت معه.
عاشوراء تتجدد في كل عام، وتتناسب مع متطلبات كل عصر، وترفدنا وتلهمنا روحًا جديدة وطاقة متجددة، عاشوراء تلهمنا:
أولاً: الفضائل والمثل
الإمام الحسين (عليه السلام) هو كتلة من القيم والمثل والفضائل، ففيه تتجسد الشجاعة والاباء، والإنسانية والمحبة والتسامح والكرم والجود، والوفاء والإيثار.
الإمام الحسين هو مجمع الفضائل، وقال عنه عباس محمود العقاد: مثل للناس في حلة من النور، تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان… وحسبه أنه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين (1).
فكل من يحيي ذكرى عاشوراء فإنه يستلهم منها هذه الفضائل والمثل.
ثانياً: القائد الحقيقي
عند دراسة قضية عاشوراء نكتشف شخصية القائد الحقيقي الذي كان يمثله الإمام الحسين (عليه السلام) فقد كان يمتلك مقومات القيادة كـ : القدرة على التخطيط، ورسم الأهداف المقدسة، وامتلاك الرؤية والبصيرة النافذة، واتخاذا القرارات الصائبة والقدرة على تحفيز الأتباع، فضلا عن اكتشاف واستقطاب الطاقات والقدرات المميزة وغيرها.
الإمام الحسين (عليه السلام) يعلمنا فن القيادة وتحريك الناس نحو العمل لرفع مستوياتهم، هذا هو القائد الحقيقي الذي ينطلق بمن حوله نحو الكمال، ونحو قمم التقدم والنجاح.
ثالثاً: الثقافة والوعي
لم تكن كلمات وخطب الإمام الحسين (عليه السلام) مجرد كلمات استعطاف العدو بل كانت كلمات توضح الحقائق، كلمات تبين الواقع وتوضح دور الإنسان تجاه أمته، كانت كلمات وثقافة رسالية تهدف إلى إيقاظ ضمير الأمة وتحفزهم نحو الحق والحقيقة، يقول عليه السلام :
أيّها النّاس اسمعوا قَولي، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليَّ، وحتّى أعتذر إليكم من مَقدمي عليكم (2)، وكلمته عليه السلام : (لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرُّ فِرار العبيد) تمثل الثقافة الحية، وتحمل مضامين الصمود والثبات، ويقول (عليه السلام) في كلمة أخرى: “ويْحَكم! أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون؟” هذه الكلمات التي تمثل سهام أطلقها الإمام على الأعداء بهدف إيقاظهم من سباتهم.
نعم فهذه كلمات ثقافة الهدى والإصلاح التي ترسم معالم الطريق القويم.
رابعاً: صناعة الأمل في التغيير
إن عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) قادرة على إعطاء الإنسان الأمل في إحداث التغيير رغم صعوبة التحديات، فالمبادرة مهما كانت ضعيفة في إمكانياتها المادية يمكن ان تنتصر في النهاية إذا كانت تسير على الحق وتسعى لتغيير واقع يحكمه الباطل باخر يحكمه الحق والعدالة (3).
هكذا تكون عاشوراء الحسين ملهمة لكل رائد إصلاح، تبعث فيه روح العمل والتغيير وهكذا علينا أن نقرأ هذه المناسبة.
الهوامش:
1 ) : أعلام الهداية، الإمام الحسين سيد الشهداء، ص 34
2 ) : أعلام الهداية، الإمام الحسين سيد الشهداء، ص 191
3 ) : مقال رسالة عاشوراء: صناعة الامل في التغيير، باسم حسين الزيدي