مقالات

الشخصية المُنفِّرة

رضي منصور العسيف

كما أن هناك أشخاص ترغب بالحديث معهم وتأنس بوجودهم، فإن هناك فئة أخرى من الناس لا تتمنى الالتقاء بهم أو الحديث معهم، أو التعامل معهم بأي شكل من الأشكال …فهم شخصيات منفرة لمن حولها… بسبب سلوكهم (السلبي) الذي يسبب لمن حلوهم الكثير من المتاعب والقلق والإحراج … ومن سلوكيات الشخصيات المنفرة نذكر:

الاستهزاء بالآخرين
قال الإمام الصادق (عليه السلام): “لا يطمعن المستهزئ بالناس في صدق المودة “(1)
هناك بعض الناس يجسدون هذه الآية ” إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ” الحجر/95 حيث الاستهزاء والسخرية من الآخرين سلوك يلازمهم في جميع معاملاتهم، بل أصبح البعض يستمتع بهذا العمل منطلقًا من عقدة نفسية او تمتلكه روح التعالي والغرور والنظر إلى الآخرين نظرة دونية!!
ونتيجة السخرية والاستهزاء أنها تبذر بذور العداوة والبغضاء، وتورث الأحقاد والأضغان.

الثرثرة …كلمات مبعثرة
عندما يتحول الكلام إلى عبء نفسي يزعج الآخرين، وعندما يكون الكلام تافهًا ليس به أي هدف، فقط هي ثرثرة وكلمات مبعثرة وقصص فارغة من الهدف والمضمون في هذه الحالة تكون هذه المحادثات ليست إلا هدرًا للوقت. ويكون المتكلم شخصية منفرة، لا يرغب أحدهم بالحديث معه إلا لدقائق معدودة.
لذا وردت عدة توصيات من الإمام علي (عليه السلام) تؤكد على ضرورة اختيار الكلمات بما يناسب المكان والزمان والطرف المقابل، وضبط نبرة الصوت، وجعل الآخرين يستمتعون بكلامك : روي عن الإمام علي (عليه السلام): “أحسن الكلام ما لا تمجه الآذان ولا يتعب فهمه الأفهام” وعنه (عليه السلام): ” أحسن الكلام ما زانه حسن النظام، وفهمه الخاص والعام” و ” خير الكلام ما لا يمل ولا يقل” (2).

الإفراط في العتاب
هناك من يدمن العتاب لدرجة أن يصبح جزء من شخصيته وأسلوبًا من أساليب حياته، بل قد يفرط في العتاب ولا يدع مجالًا للعذر، فالطرف الآخر يعتبره مقصرًا مهما كانت الظروف، ويرشقه بسيل من الكلمات والنقد الجارح معتبرًا أن هذا (عتاب) ناسيًا أن هذا الأسلوب ينتج عنه خلافات ربما يصعب حلها.
روي عن الإمام علي (عليه السلام): لا تكثرن العتاب فإنه يورث الضغينة ويدعو إلى البغضاء (3).
كما أن الإفراط في الملامة يسبب النفور والبغضاء كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام): الإفراط في الملامة يشب نار اللجاجة (4).

العبوس … لوحة باهته
لا ينجذب أحد لشخص عبوس الوجه، ذلك لأن العبوس إنما هو لوحة باهته لا تسر الناظرين، بينما المبتسم فهو لوحة فنية تستقطب الآخرين. فتعابير الوجه إما أن تكون سهمًا مؤذيًا أو بلسمًا شافيًا، ونتيجة لهذا العبوس فإنه من الطبيعي جدًا ألا تستطيع مناقشتة أو مبادرته بفتح حديث معه.
ومن يكون هذا سلوكه وهذه ملامحه فإنه يكون مبغوضًا من الله، ورد الإمام علي (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله يبغض المعبس في وجه إخوانه(5). والنتيجة هي الفشل الاجتماعي للعابس.

مزاح عنيف!!
المزاح الايجابي هو الذي يساعد على الترفيه عن النفس والبعد عن الضيقة وإدخال السرور على الآخرين، ولكن حين يتحول إلى مرحلة المزاح الثقيل العنيف المسبب لترويع وإيقاع الضرر بالآخرين، فإن نتيجته تكون المزيد من العداوة والضغينة، والنفور، ولذا ورد البعد عن هذا النوع من المزاح حيث ورد عن الإمام علي (عليه السلام): “دع المزاح، فإنه لقاح الضغينة” وعنه (عليه السلام): “لكل شيء بذر، وبذر العداوة المزاح” (6).

أخيرًا عندما تلاحظ أن الآخرين لا تتودد إليك و تبتعد عنك بل وتنفر منك !! فعليك مراجعة سلوكك وطباعك معهم واكتشف أين يكمن الخطأ وقم بتصحيحه.

الهوامش:
1 ) : ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ١٢٧٤
2 ) : ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٧٤١
3 ) : ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٥٧
4 ) : ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٢٨١٣
5 ) : ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٢٧٢
6 ) : ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٢٨٩٧

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى