كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسين آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي شمل الخلق بعطائه وخص اهل صفوته من خلقه بالايمان وحباهم بالاصطفاء والصلاة والسلام على صفوة خلقه وخيرة عباده المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين
(الايمان عطية الله لأهل صفوته)
قال الامام الامين جعفر بن محمد الصادق(ع)(إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي الايمان الا لأهل صفوته من خلقه)
العطاء عطاءان،عطاء عام وعطاء خاص ، عطاء شامل وعطاء محدود كحال الرحمة التي تتمثل في وجهين رحمة عامة ورحمة خاصة
في قوله تعالى ( بسم الله الرحمن الرحيم)
اي ان الرحمن تعني الرحمة العامة والرحيم تعني الرحمة الخاصة
فعطاء الله تعالى لخلقه له شمول وعموم من جهة ومن جهة اخرى له خصوص وتقييد
اذ ان الله تعالى اعطى كل شيء خلقه ثم هدى ووهب له من الدنيا ماوهب اذ يقول المولى تعالى في كتابه الكريم(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ) طه|٥٠
وعطاء الله تعالى لكل خلقه شامل وعام في ميدان النعم وفضاء الدنيا
دونما حضر او منع على احد سواء كان مؤمنا او غير مؤمن لقول الله عز وجل في كتابه العزيز(كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) الاسراء |٢٠
هكذا هو عطاء الله بالنسبة للدنيا فهي مشرعة يمكن ان ينالها الكافر كما ينالها المؤمن
والحصول على الدنيا ليس بذلك الامر الذي به يتميز الانسان ويفضل الا اذا ما استخدمها وسخرها في سبيل الاخرة وصلاح الحياة والانسان
ومن يكون فاقدًا لها وغير حاصل على بعضها فلا يعني انه لا كرامة له ولا قيمة بل انما قيمة الانسان وكرامته فيما يمتلكه ويحوزه من قيم ومبادئ وقناعة ورضا ومكارم ومُثل ومعالي ومعالم
اذ انه يشاهد ويرى ان الكثير ممن حازوا على الدنيا وحطامها لم يكن لهم من قيمة ولا مكانة الا درجة تحت الصفر
بينما تقف امام قامات وشخصيات ارتقوا الى اعلى الدرجات ووصلوا الى ارفع المقامات وهم لا يملكون من الدنيا شيء او يحصلون على بعض الشيء والاستعانة به على الوصول الى ما وصلوا اليه
والذي اخذ وارتقى بهم الى تلك المراقي الرفيعة هي تلك المكارم والمعالي الجليلة والشيم والهمم العظيمة وبهذا يتهيأ الانسان ان يكون متميزًا واهلاً لكرامة الله وموهبته الا وهو الايمان الذي هو اعز موهبة وارفع وسام
نعم به لا بغيره من دنيا او نسب او حسب او قوم او لون او ما اشبه
اذ ان الدنيا مفتوحة للجميع وهي عطية الله لمن يحبه ويبغضه
ولكن عطية الله الخاصة لا تكون الا لاهل خاصته واهل محبته كما يقول الامام جعفر الصادق(ع)(إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي الايمان الا لأهل صفوته من خلقه)
فالايمان هو العطية الخاصة والمنحة المحصورة ولا تكون الا لأهل الصفوة والصفاء والصدق والصلاح والثقة والامانة والعلم والعمل والحب والوفاء والود والولاء
وليس الايمان مجرد ممارسة لبعض الطقوس وشيء من الاعمال والاحكام
وانما الايمان وحدة متكاملة وبناء متراص وجسد مجتمع
وليس كما يذهب اليه شطر من الناس من عملهم بالبعض والغض عن البعض الاخر
فهذا السلوك لا يهيئ الانسان ان يكون من اهل صفوة الله وانما يبعده ويحرمه من الخصوصية التي لدى الله تعالى
فمن اراد ورغب في عطية الله تعالى وحبائه ولطفه فليكن سعيه صادقًا وخالصًا وعمله كاملاً ومتقنًا
وبهذا يكسب الايمان الذي هو عطية الله وهبته وقد نالها وحصل عليها بجدارته وحسن سيرته وصلاح سلوكه
وهذا ما اراده الامام الصادق(ع) وعناه بقوله(ولا يعطي الايمان الا اهل صفوته من خلقه)
فهل نحن من اهل صفوة الله ؟
هذا ما ينبغي ان نتأمل ونطيل النظر والتفكر كثيرًا فيه لعلنا ننتهي الى السلوك والسعي الذي يأخذ بنا الى مقام رضا الله تعالى وان نكون من اهل صفوته واهل عطيته
–
نسأل الله المولى الكريم ان يجعلنا من اهل صفوته من خلقه ويمن علينا بالايمان والامان
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة ٢٧|٤|١٤٤٠ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس