كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسين آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الواحد الذي لا ثاني له والملك الذي لا شريك له والرب الذي لا ند له والصلاة والسلام على من وحد وعبد وآمن واخلص الرسول المسدد والنبي المؤيد المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين
(المباهلة حوار وانتصار)
قال الله المولى العزيز في كتابه الكريم (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)آل عمران|٦١
كل المعتاد في مواجهة اي فكر او عقيدة او سلوك يعتمد على منهج وطريق الحوار والمناظرة فيلقي هذا الطرف او ذلك بما لديه من ادلة وبراهين تثبت صحة وسلامة دعوته ومعتقده وفي المقابل يكشف خطأ وسقم دعوة الطرف الآخر
وكذلك الطرف الآخر يقدم مالديه من ادلة ودعائم يثبت به صحة مدعاه ومعتقده فإن خلص الأمر واللقاء بقناعة وتصديق وتسليم احد الطرفين والا يلجأ الى مرحلة اخرى وكيفية ثانية فيها وبها ينهى الموقف
والمهم من الحوار والمناظرة هو اثبات حقيقة وتثبيت حق ودحض باطل ودفع وهم وليس مجرد تعاطي وتقطيع وقت او اطلاق بالونات كلام
اذ ان الحوار هو اهم الطرق واعظمها واولها في المواجهة واللقاء اذ كما يقال اول اللقاء كلام
وهكذا هم اصحاب الحقائق والحق يدشنون لقاءآتهم بالمنطق والحديث والتحدث ومخاطبة العقل وهذا المسلك هو اقرب الطرق واسهلها للوصول للمطالب والاهداف
وهذا مافعله رسول الله (ص) ومن كان قبله ومن بعده في سبيل اصلاح الحياة وهداية الانسان وتنظيف المناخ من اي شائبة وواردة فيها مافيها من الضرر والتلوث
وقد اتخذه رسول الله (ص) كأهم طريق ومسلك به يصل الى عقول الناس وهدايتهم واصلاحهم وتخليصهم من شوائب الشرك وملوثات الجهل وخلطات الباطل ولم يكن يستجيب لهذا الدعاء والدعوة والنداء والصوت والمنطق والخطاب الا القليل والاكثر هم في اعتراض واعراض وادبار وصدود بل في مواجهة وحراب
الى ان انتقل الوضع الى المواجهة الميدانية والقتال الى ان انتهى الوضع وبعد مواجهات دامية ولقاءات حامية بانتصار معسكر النور وفريق الحق وجبهة التوحيد بقيادة وزعامة رسول الانسانية محمد(ص)
وقبل رحيله من الحياة وتوديعه اهل التوحيد واذا به يقف ويسمع بهجمة مريبة وشرسة على التوحيد والعقيدة فما كان منه واخلاصًا ووفاءً وصدقًا لهذه العقيدة التي قضى عمره لاجلها وسلامتها
وقف الوقفة الحازمة والوثبة الجادة في مواجهة هذه الافكار المغلوطة والتي يراد بها المساس بالعقيدة والتي على رأسها التوحيد ووحدانية الله تعالى وتفرده بتدبير الكون وادارته
وكانت هذه الرائحة قد انبعثت من باحة النصرانية من نجران والتي كانت آن ذلك الواجهة الرئيسية للمسيحية
وخلاصة ماتحمله هذه المغالطة هي تثليث التوحيد اي ان التوحيد لديهم يتقوم بثلاثة اضلاع الا وهم الرب والابن وروح القدس بما يسمى بالأقانيم الثلاثة
وبهذا يخرج الله تعالى عن وحدانيته وتفرده وهذا بخلاف المعتقد السليم القائل بان الله واحد احد لا شريك له ولا عديل ولا معين له ولا وزير
وبعد الذي حدث وشاع ارسل رسول الله (ص) لنصارى نجران يدعوهم للحوار والمناظرة وبعد ان تم الحظور وجرى ماجرى من حديث وتداول الا ان القوم ابوا واصروا على عنادهم
وبعد ان اوضحت لهم السماء وعلى لسان رسول الله خطأ مدعاهم بأن النبي عيسى (ع) ابن الله وشريكه وعليه يستحق العبادة
والكلام خلاف ماذهبوا اليه اذ ان النبي عيسى(ع) ليس مثله الا كمثل آدم كما يقول الله تعالى في كتابه الكريم
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)آل عمران|٥٩
ومع هذا البرهان القاطع والدليل الساطع الا ان القوم بقوا واصروا على موقفهم وتعنتهم
وحينها جاء الخطاب من رب السماء لرسوله(ع) يدعوهم الى المواجهة واللقاء الا وهي المباهلة وهي لا تقل خطرًا من مواجهة الميدان والقتال اذ فيها عرضة للعن وبالتالي العذاب والهلاك كمن يخوض القتال فهو عرضة للاصابة او الموت اما هلاكًا او شهادةً
اذ يقول الله تعالى(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)آل عمران|٦١
فطاروا لذلك فرحًا وسرورًا ظنًا منهم انهم على حق وانهم سيكونون على انتصار وظهور الا ان الامر لم يكن يجري على حسب ما اشتهت نفوسهم
اذ بمجرد مجيء الرسول (ص) واهل بيته الاطهار وظهورهم بتلك الهيبة العظيمة والاطلالة الجليلة
داخل القوم ماداخلهم من الخوف والدعر فقال كبيرهم الاسقف :ان الوجوه التي اراها لو اقسمت على الله ان يزيل الجبال لأزالها،فإياكم ومباهلتهم فإنكم ستهلكون حتمًا ولا يبقى بعدها نصراني على وجه الارض
ثم انهم قالوا:نرى ان لا نباهل معك وتظل انت على دينك ونبقى نحن على ديننا قال النبي(ص)(الآن وقد تراجعتم عن المباهلة فأسلموا،كي تشاركوا المسلمين في السراء والضراء)
فلم يوافقوا
قال النبي (ص)(هل تريدون الحرب؟ قالوا:لاطاقة لنا بقتال المسلمين الا اننا نصالحك ان لا تقاتلنا ولا تخيفنا وان لا نعود عن ديننا وان نعطي الفي حلة ثمن كل حلة اربعون درهمًا فصالحهم رسول الله (ص) على ذلك وتسمى هذه بالجزية
وقد عاد رسول الله(ص) بعد ذلك من ذلك الموضع وقد سجل موقفًا ذا معنى عظيم ومقصد جليل وهو الانتصار للعقيدة والمبدأ والتوحيد وحال ذلك كبقية المشاهد والمواضع واللقاءات التي اقامها رسول الله(ص) ليقيم ويحفظ بها الاسلام والدين
ومن يوم بدر وماقبله ومابعده
وختامًا بهذا اليوم اي يوم المباهلة والذي فيه اقدم وقدم اعز واكرم واحب الخلق لديه
وولديه وهم ابناءه حسن وحسين ونساءه فاطمة الزهراء(ع) وعلي امير المؤمنين(ع) الذي هو بمثابة نفسه ونفسه التي هي اشرف واحب واكرم نفس في الكون عند الله تعالى
ولا يرى ذلك الا شيئًا بسيطًا في جنب الله تعالى ونصرة دينه واعلاء كلمته كلمة التوحيد وحفظ العقيدة
فما كان من رب الكون تعالى الا ان يقابل هذا الموقف وغيره من المواقف الا بالمجازاة العظيمة والمواهب الكريمة
الا وهو النصر والظفر والظهور على الخصم والمعتدي ومن ابرز مظاهر النصر والظهور والظفر ان القى هيبة وجلالة على محيى الرسول(ص) واهل بيته بحيث داخل ماداخل الطرف الآخر من الخوف والدعر بحيث جعله يتراجع ويترك المباهلة خوفًا من الهلاك ويلجأ الى الصلح وهو ان يدفع الجزية اي قبال البقياء والحفاظ على وجوده
هكذا ينبغي لكل مسلم ينتمي الى رسول الله (ص) ان يتأسى ويقتدي به في اي مجال ولا سيما في مجال الغيرة والحمية على الدين والدفاع عنه كما فعل رسول الله (ص)
وبأعز واحب مايملك ومن الله النصر والعطاء
–
نسأل الله العلي الحكيم ان يجعلنا كنبينا (ص) مخلصين للدين ومدافعين عنه وناصرين له نحيى ونموت لأجله
إنه ربنا على كل شيء قدير
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة ٢٦|١٢|١٤٣٩ هـ
الشيخ: حسين مهدي آل خميس