مقالات

❤ *أنا أحبُ حلةَ محيشْ*❤

يبدو أن قرية *حلة محيش* أصبحت مدار حديث المجالس حين لفّ مقطع فيديو لأحد أبناء هذه القرية  يتغنى بحبه لقريته عبر  قصيدة شعرية  تحمل العفوية والبراءة، والتي قوبلت بشيء من  السخرية والاستهزاء.

لقد نفخ الشاب *هيثم محمد صالح ال درويش* في اللاشعور، ليثير المسكوت عنه من عقد  أكل الدهر عليها وشرب  بين أهل القرى والمدينة ، ولكن الغريب أيضا أن هذه العقدة مستعرة بين أبناء القرى أنفسهم، حيث يحاول أبناء قرية صغيرة منسية في هذا العالم الكبير السخرية من قرية مجاورة صغيرة ومتروكة أيضا لا يفصل  بينهما سوى "حضار النخل".

  إن العقدة من الموروث والتراث والتاريخ أشبه بالجبل في الماء لا نرى منه  إلا قمته، لكنه ممتد في الأعماق  المظلمة وقد تمحصت هذه العقدة  من خلال التداول الشره لهذا المقطع المثير.

 عقدة الهوية ليست جديدة أو طارئة بل إنها  تسيطر على العقل الجمعي لدى أبناء القطيف منذ انطلاق طفرة النفط عابثة بالهوية وتنتظر على ما يبدو أي مثير يوقضها من سباتها ، فهاهو البحر مرورا بالنخل ومكتسبات الماضي وصناعة الأباء وحرف الأجداد  كلها غدت في (خبر كان)، فهجر من هجر وترك من ترك واختفى من اختفى حتى أن الجيل الجديد لا يعلم أنه كانت هناك عيون نباعة  كعين الغميري وعين أم عمار وعين الكعبة  وعين اللبانية وغيرها الكثير الذي أصبح أثرا بعد عين، وكذلك البحر وبحارته الذين ألتهمتهم هذه الفجوة ولا يعرف أحد من الجيل الجديد أي شيء عن  تجارة السلوق وشناديد الدبس وقلات التمر وبرنجوش الشتاء.
كذلك اللهجة التي لم تسلم من أنياب تلك العقدة حيث انك لو تحدثت بلهجة الأباء ستكون مثير للضحك والسخرية فقد حركت من حيث تشعر أو لا تشعر حبائل هذه العقدة من بئر العقل الباطن.
  ربما يتشدق البعض  من خلال حفل أو لقاء  لإحياء التراث وتاريخ الماضي السحيق الذي تخلى عنه سكان هذه المنطقة ، وهناك محاولات أخرى خجولة لم تؤتي ثمارها للتواصل مع المكون التراثي.

 لقد تعرض اسم القرية للتغيير والتبديل أكثر من مرة  حيث كان اسمها (حلة أبارق) ثم أصبح (ابارق محيش)،وحدثت محاولات في نهاية الثمانينات  من شباب أهل القرية تهدف إلى تغيير اسم القرية  وقد اقترحوا تسميتها (حلة النور) امتعاضا من كلمة (محيش) التي تكون محط السخرية عادة، وقد نسوا أن (محيش) مقتبسة من المحش الذي كان يصنع في هذه القرية والذي كان آلة مهمة في كسب الرزق ولقمة العيش لباقي أهالي القطيف  والذي عرف صانعه بعد ذلك بالمحيشي ثم مضت لقبا للقرية ولبعض من ساكنيها ثم انتقل بعضهم لمناطق مجاورة.

    لقد تقدم هؤلاء  المثقفون الطامحون لتغير المسمى  بهذا المقترح للجهات الرسمية على غرار ما فعله أهل قرية مجاورة  ولكن ولله الحمد باءت محاولاتهم بالفشل.
    لكن من هذا الفتى  الذي  ظهر في مقطع فيديو بقصيدة عفوية عنوانها *أنا أحب حلة محيش* كاشفا العقدة بكل تجلياتها وصورها؟!

إليكم بعض التعريف عنه :

هو الدكتور الذي لم يسعفه الحظ والقارئ النهم الذي خانته الصحة والمثابر والمجتهد والعبقري الذي أوقفته أزمة نفسية حادة عن كل آماله وآمال والديه وأخوته وأخواته.

كان هذا المنشد يدرس في كلية الطب بجامعة الملك سعود بالرياض حتى السنة الرابعة حين باغتته الأزمة وقد خرج اضطرارا من الجامعة بمعدل يؤسف كل من علم به.

 انه الان – هيثم محمد صالح ال درويش – يبحث عن رافد ليصب فيه طاقته وإبداعه فله العديد من المحاولات الشعرية غير هذه القصيدة وقد انتهى مؤخرا من إصدار ديوانه الأول كما صرح هو في صفحته في الفيس بوك.
هيثم أيضا أستاذا فذا في اللغة الانكليزية من حيث القراءة والكتابة والتحدث، يقرأ الروايات الأجنبية بلغتها الأصلية والكتب العلمية أيضا وسوف تنبهر من سعة اطلاعه في اللغة الانكليزية خصوصا في مجال تخصصه الطبي وكذلك من الكم الذي يقرأه إذ يصل إلى أكثر من عشرة كتب شهريا تتنوع بين روايات وكتب عامة ثقافية وعلمية والتي تزيد عادة عن 300 صفحة ويقوم بتلخيصها أيضا باللغة الإنكليزيةبمهارة واحترافية بالغة الإتقان.

هذا الفتى العبقري تحدث بكل براءة عن حبه لقريته الصغيرة من دون عيب ولا ريب ولا توجس ولا عقدة حقارة ولا عقدة هوية ولا استيحاء من القروية ولا خجلا من كلمة محيش صادحا أنا *أحب حلة محيش* وإنني اشد على يديه واقول له بيتا من الشعر من قصيدة كتبتها قديما كان مطلعها :

يا حلة محيش كم تهواك انفاسي…. أنشودة من يدي طارت إلى

الناس

على مهدي المادح.. القطيف…  حلة محيش

زر الذهاب إلى الأعلى