مقالات

اكتساب مهارة الأسلوب اللين يصنع المحبة

✍️ زكريا أبو سرير

===

يفتقر بعض الناس إلى مهارة الأسلوب، ويرون أنها ليست من أولويات حياتهم أو أنها غير مؤثرة في بناء شخصياتهم. لذلك تتكرر إخفاقاتهم عند محاولة إيصال رسائلهم للآخرين أو في إدارة علاقاتهم الاجتماعية والعائلية. فهؤلاء يظنون أن الأسلوب اللين أو اللبق يُنقص من مكانتهم أو يضعف حضورهم الاجتماعي، ويعتقدون أن الناس جميعًا على درجة واحدة من الفهم والتقبّل. وهذا يدل على عدم إدراكهم لأهمية مهارة الأسلوب، ولهذا تجدهم يعيشون في دائرة من اللوم والشكوى المستمرة بسبب عدم تقبّل الآخرين لآرائهم. ومن هنا تبرز الحاجة لعرض مفهوم مهارة الأسلوب بصورة مختصرة تبيّن أهميته على الصعيدين الشخصي والاجتماعي.

ومهارة الأسلوب هي فن صياغة الكلام بصورة تجذب السامع أو القارئ، وتعكس شخصية المتحدث أو الكاتب وثقافته، بحيث يكون الكلام واضحًا ومؤثرًا ومناسبًا للموقف، ويستطيع الفرد من خلاله إيصال أفكاره ومشاعره بفعالية مع حسن اختيار الألفاظ والعبارات.

وقد أكّد ربنا سبحانه وتعالى على ترسيخ هذا المنهج الأخلاقي في التعامل بين عباده، فجعل اللين والأناة أساسًا للتواصل بين الناس. بل أوصى الله تعالى أنبياءه بهذا الأسلوب حتى عند مخاطبة أشدّ الطغاة عنادًا، كما في قصة نبي الله موسى وهارون مع طاغية زمانهما الذي ارتكب أعظم جرم حين قال: “أنا ربكم الأعلى”. ومع ذلك كان الخطاب الإلهي موجّهًا للنبيين بأن يخاطباه برفق. قال تعالى في سورة طه، الآية 44:

{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.

وهذا يدل على أن الأسلوب اللين هو الأنجع والأصلح في مخاطبة الناس على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم، فالبشر جميعًا يشتركون في المشاعر والأحاسيس، ومفتاح التعامل معهم واحد: الأسلوب اللطيف والقول الحسن والفعل الهادئ. فبهذه القاعدة تُفتَح القلوب، حتى تلك المغلقة بأقفال القسوة أو سوء التجارب.

وللأسف، يستهين البعض باتباع هذا النهج مع الأقارب أو الأصدقاء أو أفراد العائلة، بزعم أن القرابة تبرّر خشونة الأسلوب أو الاستثناء من قاعدة اللين. غير أن الصدمة تقع حين تأتي ردود فعلهم غير متوقعة، لأن المتحدث لم يلتزم بالقاعدة العامة التي وضعها الله تعالى: قاعدة اللين بلا استثناء.

ومن التجارب العملية التي تؤكد قوة الأسلوب الهادئ ما رواه لي أحد الأصدقاء حين كان يعمل “مُحصِّلًا” في أحد البنوك. فقد طلب منه أحد العملاء مقابلته، وبعد اللقاء عرض عليه وظيفة محصّل في شركة يشغل فيها هذا العميل منصبًا قياديًا مرموقًا، وبراتب يتجاوز ضعف راتبه السابق مع عمولات مجزية. يقول الصديق:

«قبلتُ العرض فورًا، لكن بقي سؤال واحد يؤرقني: ما الذي دفعك لاختياري؟»

فأجاب العميل مبتسمًا:

«أسلوبك الجذاب هو السبب، فقد أقنعني بأنك مُحصِّل ناجح».

وهنا تتجلى الحقيقة؛ حتى لو كان الإنسان صاحب حق، فلا ينبغي أن يتخلى عن قاعدة اللين. فالكلمة الطيبة والأسلوب المرن هما مفتاح القلوب، وهما السبيل إلى القبول الاجتماعي وتحقيق الأهداف الشخصية. وعلى العكس، فإن الأسلوب الخشن ينفّر الآخرين، ويفشل العلاقات الاجتماعية والعملية، لأنه ببساطة يخالف سنّة الله في التعامل والتعايش مع الآخرين، ويجعل صاحبه كمن يسير عكس الاتجاه.

ولهذا فإن صناعة الولاء في أي علاقة اجتماعية أو عملية تتطلب فهمًا عميقًا لمهارة الأسلوب اللين، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا باتباع هذه القاعدة. فهو رافعة لشخصية الإنسان، ومسوق لسمعته، ومولّد للمحبة في قلوب الناس، ويمنحه رصيدًا اجتماعيًا لا يُقدّر بثمن. بل إن الشخصية اللينة تبقى في الذاكرة الإنسانية كطيف جميل لا يُمحى، وتصنع دائمًا الفارق بين شخص وآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى