مقالات .. عفاف 5
عفاف 5
رضي منصور العسيف
بعد معاناة 6 شهور، وصلتني رسالة عبر البريد الإلكتروني: تم قبولك في الوظيفة…، يمكنك مراجعة الشركة في اليوم…
كنت سعيدة جداً، الحمد لله سأعود للحياة العملية من جديد، سأعيش الحياة، سأعيش السعادة، أخيراً سأقول وداعاً للملل والكسل، والكآبة…
استيقظت في ذلك اليوم سلمت على والدي، الذي قال لي: اراك نشيطة اليوم!
قالت أمي: هكذا هي عفاف … نشيطة ومجتهدة …
قلت لهما: اليوم إن شاء الله أستلم الوظيفة الجديدة … أدعو لي بالتوفيق لتسهيل الأمور…
رفعت أمي كفيها للسماء وقالت: اللهم إني أسألك بركة هذا اليوم، وأسألك بركة أهله، وأسألك أن ترزقني (ترزقها) من فضلك رزقا واسعا حلالا طيبا مباركا، تسوقه إلي (إليها) في عافية بحولك وقوتك،…
قلت لها: شكراً لك يا والدتي العزيزة …
قال والدي: ادفعي صدقة قبل أن تغادري المنزل فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أكثروا من الصدقة ترزقوا(1) .
أجبته وأنا مبتسمة: لقد فعلت ذلك ..
غادرت المنزل والتفاؤل يملأ روحي …، وفي عقلي الكثير من الأفكار…
وصلت مقر العمل … انتابني شعور غريب…
فجأة داخلني شعور بالقلق والتوتر، ربما بسبب عدم معرفة المكان الجديد وكيفية التكيف مع زملاء العمل الجدد..
قرأت ” وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)” سورة الطلاق
لابد أن تشحن نفسك روحياً، وتملأ روحك وجسدك بالطاقة الإيجابية، وتتوكل على الله في السراء والضراء لتتحدى الصعاب بروح قوية وشجاعة… هكذا تحدثت مع نفسي قبل أن أدخل مقر العمل …
سألت أحد الموظفين عن مكتب الأستاذ (عماد).
أجابني: لايزال الوقت مبكراً، عليك الانتظار حتى الساعة التاسعة… يمكنك الذهاب لمكتبه… وأشار إلى ناحية المكتب…
ذهبت لمكتب الأستاذ عماد، قابلت موظفة… رأيت في وجهها علامات التذمر والشكوى…
ابتسمتُ لأني على يقين أن الشخص المبتسم يبث الثقة، ويبث الراحة النفسية في نفوس الآخرين.
قلت لها: أنا (عفاف) سبق أن عملت مقابلة للوظيفة الجديدة والحمد لله تم قبولي …
نظرت إلي..وقالت: نعم، لقد تحدث عنك الإستاذ عماد وقال: إن سيرتك الذاتية حافلة بالنقاط الإيجابية، وقد تم ترشيحك للوظيفة، ألف مبروك …
وما أن أنهت الموظفة كلمة مبروك حتى دخل عيلنا رجل في الأربعين من عمره، سارعت الموظفة بقولها: هذه عفاف، الموظفة الجديدة…
بانت عليه علامات الاندهاش، وقال: ألم تفتحي بريدك الألكتروني يوم أمس… لقد أرسلت إليك رسالة …
قلت له: لا لم أفتحه …
قال: آسف لقد تم توظيف أحد الشباب بدلا عنك … لقد وصلتني رسالة من المدير العام بتوظيفه لأنه تفوق عليك بنقطة واحدة …
ثم التفت إلى الموظفة: لقد تم توظيف (محمود…. )
قالت الموظفة: محمود ذلك الشاب الذي كان يتدرب عندنا في الصيف الماضي، ذلك الكسول، الذي لا يعرف شيئاً في تخصصه، المستهتر بوقت الدوام، كيف يتم توظيف مثل هذه العينات الفاشلة؟!!! لهذا السبب نحن لا نتقدم، لقد تراجع أداء الشركة والسبب يكمن في سوء الأختيار…
كنت أسمع حديثهما عن ذلك الشاب …. بقيت متسمرة في مكاني… كأن أحدهم رمى حجراً فكسر الزجاج وتناثر في كل مكان…
تذكرت ذلك اليوم، يوم المقابلة الشخصية، تذكرت ذلك الشاب الذي خرج من مكتب لجنة المقابلة وكان مسروراً، وبعده نادى الموظف على اسمي (الأستاذة عفاف) أجبته نعم، قال تفضلي، جاء دورك للمقابلة.
دخلت وكانت اللجنة مكونة من 3 أشخاص، سألني أحدهم سؤلا مباشراً: “ما هي نقاط ضعفك”؟
ابتسمت وقلت بكل ثقة :”نقطة ضعفي هي قلّة صبري، لأنني أسعى دائماً إلى إتمام مشاريعي على الوقت ولا أحب تأخير سير عمل الفريق”.
ابتسم الموظف الآخر ،فيما قال الثالث: هكذا يتحدث الواثقون من أنفسهم… نتمنى لك التوفيق…
نظرتُ للأستاذ عماد: قلت له هل يعني أن الوظيفة (طارت) …
نكس برأسه وقال للأسف نعم ..
سقطت دمعة من عيني …
نظرت إليّ الموظفة وقالت: آسفة جداً …ولكني أعدك أننا سنتصل بك حين تتوفر وظيفة شاغرة، فأنت المرشحة الأقوى لأي فرصة وظيفية …
خرجت من المكتب وأنا لا أعلم ماذا أفعل… أين أذهب ….
للقصة بقية ….
الهوامش:
1 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ١٥٩٦