مذكرات أمل (19)
مذكرات أمل (19)
رضي منصور العسيف
أشرقت شمس يوم 1/8/2017م وكأنها تتحدث عن ولادة صباح جديد مفعم بالأمل.. وكأن الشروق يأتي ليواسينا بعد ليل طويل من الحزن…
في الساعة السادسة صباحاً سمعت طرقات الباب، مسحت دموعي وقلت في نفسي… هل سأذهب لغرفة العمليات منذ الصباح الباكر؟!
قلت: تفضل …
فتح الباب.. وإذا بي أراها …
أمي … أهذه أنت ..ما هذه المفاجأة؟! ما الذي جاء بك في هذا الصباح الباكر؟!
ابتسمت وقالت: وهل يعقل أن أدعك؟!
ولكن يا أمي …
تقدمت نحوي وجلست بجانبي .. نظرتُ إليها وقلت: أنت أم عظيمة … سامحيني يا أمي إن كنت في يوم من الأيام صرخت في وجهك أو أغضبتك أو نظرت إليك نظرة عقوق … لم أستطع إكمال بقية الكلام … حضنتني أمي .. وأكملت الدموع بقية الحديث الصادق، حديث الأم المحبة لإبنتها وحديث البنت المحبة لأمها…
والآن يا أمل عليك أن تكوني شجاعة، وهادئة …
مسحت دموعي وقلت: أنا هادئة يا أمي …
ضحكت أمي وقالت: الهدوء هو طبعك…
في الساعة الثامنة نزلت إلى قسم العمليات…قابلت الدكتور أسامة الذي قال لي: صباح الخير، هل أنت مستعدة؟!
هززت رأسي بالإيجاب..
رأيت دكتورة جمانة شكرتها مرة أخرى لأنها ستكون معي في هذا الموقف…مسكت يدي وقالت: لن أدعك.. سأكون معك خطوة خطوة… ثم قالت: هل تسمحي لنا بتصوير العملية… فهي أول عملية لتوسعة المثانة تتم في المنطقة الشرقية؟
أجبتها: نعم موافقة …
قرأت سورة الفاتحة، وآية الكرسي، وبعض السور القصار، ودعوت: اللهم أَلْبِسْنِي عَافِيَتَكَ، وَجَلِّلْنِي عَـافِيَتَكَ، وَحَصِّنِّي بِعَـافِيَتِـكَ، وَأكْـرِمْنِي بِعَافِيَتِكَ، وَأغْنِنِي بِعَافِيَتِكَ، وَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَافِيَتِكَ، وَهَبْ لِي عَافِيَتَكَ، وَأَفْرِشْنِي عَافِيَتَكَ، وَأَصْلِحْ لِي عَافِيَتَكَ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَافِيَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ.
قاربت الساعة على العاشرة…
جاء دكتور التخدير وقال: أمل هل تفضلين أن أعطيك إبرة مخدر واحدة أو 3 إبر خفيفات؟
قلت ما تراه مناسب يا دكتور…توكلت على الله …
لحظات ولم أشعر بشيء …
فتحت عيني … نظرت حولي.. أين أنا؟! وجدت ممرضة بجانبي قالت: الحمد لله على السلامة… أجبتها بصوت لا يكاد يسمع: الله يسلمك…كم الساعة الآن؟
قالت: قاربت على السادسة مساء…
لقد تم كل شيء … تمت العملية …
في الساعة السابعة رجعت لغرفتي… وبعد دقائق دخلت أمي… قالت: الحمد لله على سلامتك يا ابنتي.. جئت في الوقت المناسب؟!
فتحت عيني وقلت: يا أمي أنت لم تذهبي للبيت … بقيت هنا منذ الصباح أليس كذلك؟!
ابتسمت أمي وقالت: الحمد لله على السلامة … لقد قابلت الدكتور أسامة و الدكتورة جمانة وقالوا ألف مبروك لقد نجحت العملية …
سقطت دموعي … ورددت الحمد لله … الحمد لله …
اتصلت أمي بوالدي وأخوتي وقالت: الحمد لله لقد خرجت أمل من غرفة العمليات وهي بصحة وعافية .. نعم لقد نجحت العملية … الحمد لله … يمكنكم الحضور غداً لزيارتها …
نظرت لأمي وقلت: أريد أن أشرب ماء… أشعر بالعطش يا أمي…
قالت: اصبري قليلا ..
قلت لها: سأموت من العطش يا أمي …
في هذه اللحظة دخلت الممرضة … قلت لها أريد أن أشرب ماء … عطشانة …
قالت الممرضة: لابأس يمكنك أن تشربي قليلا …
أعطتني أمي ربع كأس ماء … شربته وقلت: الحمد لله …أشعر بالنعاس …
قالت أمي: الحمد لله سأدعك ترتاحين وسآتي لك غداً …
…………………..
استيقظت في اليوم الثاني …
شعرت بألم العملية … جاءت الممرضة ..سألتني: كيف حالك؟
أجبتها: الحمد لله ولكن أشعر ببعض الألم…
قالت: هذا طبيعي فعمليتك لم تكن عملية بسيطة … لقد استغرت 7 ساعات، الحمد لله على سلامتك سيأتي الفريق الطبي بعد قليل وسوف يخبرك عن العملية وما هو مطلوب منك …
هل صحيح نجحت العملية؟
هل انتهت المعاناة التي طالت 27 سنة منها 12 سنة كانت متعبة، تغيير القسطرة والالتهابات المتكررة…ربي لك الحمد والشكر…
في الساعة التاسعة جاء الفريق الطبي…
قال الدكتور أسامة: الحمد لله على سلامتك
سألته هل نجحت العملية؟
ابتسم وقال: نعم … ألديك شك في ذلك؟!
قلت لا …أين دكتورة جمانة لا أراها معكم …
قال الدكتور شهيد: دكتورة جمانة …تستعد للامتحان السنوي.. كان من المفترض أن تكون إجازة يوم أمس ولكنها حضرت معنا العملية، ملبية لطلبك…
اغرورقت عيني … وقلت: أصحيح ما تقول يا دكتور؟!
ابتسم الدكتور وقال: نعم … كلنا معك ..
قلت للدكتور أسامة: هل يمكنني أن أشرب الماء دون خوف؟
أجابني مبتسماً: نعم يمكنك أن تشربي بشكل طبيعي … أصبحت سعة المثانة 500 مل … هل تحبين أن تشربي كوب ماء الآن؟
أجبته: نعم … أكاد أموت عطشاً …
طلب من الممرضة أن تقدم لي كوب ماء …
أخذته … شربته ودموعي على خذي …
نظرت للفريق الطبي وقلت لهم بصوت مبحوح … هذه أول مرة أشرب الماء دون قلق أو خوف …شكراً لكم
ابتسم الدكتور وقال: الحمد لله وستكوني معنا لبضعة أيام حتى نطمئن عليك …
عند خروج الفريق الطبي: أخذت هاتفي وأرسلت رسالة شكر للدكتورة جمانة، واعتذرت منها لما سببته لها من متاعب…
في هذه الأثناء اتصل والدي: سألني عن صحتي … أجبته الحمد لله للتو غادر الفريق الطبي وأخبرني بنجاح العملية … لقد شربت الماء دون خوف يا أبي …
قال: الحمد لله …
ثم أردف قائلا: أمل يا عزيزتي… البيت بدونك مظلم … أنت شمعة البيت …
عند سماعي لهذه الكلمات: خنقتني العبرة ولم أعد أستطيع الكلام …. توقفت لحظات وقلت: أنتم بركة ونور البيت يا أبي …
أغلقت الهاتف…
رأيت رسالة جديدة من الدكتورة جمانة: الحمد لله الذي وفقني لهذا العمل، لقد سعدت لأني كنت ضمن الفريق الذي أنجز هذا الإنجاز، وكنت سعيدة لأن العملية تكللت بالنجاح… وإني مؤمنة بأن الله سيحقق آمالي وسأجتاز الامتحان بتفوق… حمدا لله على سلامتك وأتمنى لك الصحة والعافية…
قرأت الرسالة مرة وثانية وثالثة … شكرت ربي بأن سخر لي هذه المجموعة من الأطباء …
في المساء جاءت عائلتي لزيارتي كانت الأجواء مليئة بالسعادة وفي هذه الأثناء رن هاتفي وكان المتصل خالي الذي كان يعلم بتفاصيل حالتي، وبعده مباشرة اتصلت خالتي وكنت قد أخبرتها بتفاصيل العملية … هذه الزيارة وهذه الاتصالات كان لها الأثر الإيجابي على نفسي والحمد لله.
بعد أسبوع، في وقت الزيارة وفيما كنت أتحدث مع عائلتي …وقع نظري على باب الغرفة وإذا بي أرى أمرأة عجوز على كرسي متحرك وخلفها سميرة ووفاء … ساد الصمت أرجاء الغرفة … تقدموا نحوي وعيني لا تكاد تصدق ألهذه الدرجة هذه المرأة تحبني …اغرورقت عيناني بالدموع تقدمت نحوي … ابتسمت وقالت: الحمد لله على السلامة يا ابنتي… تساقطت دموعي ولم أستطع الرد عليها سريعاً إلا أني مددت يدي وسلمت عليها بكل حرارة وأردت تقبيلها ولكنها سحبت يدها سريعاً …
قالت وفاء ها أنتم تجتمعون من جديد…
قلت لسميرة أتمنى أن لا تكوني قد لعبت مع الخالة أم عبدالله لعبة السيارة السريعة…
ضحك الجميع ….
كان اللقاء لا يوصف … سعدنا بحضور الخالة أم عبدالله …
بعد انتهاء الزيارة جلست أحدث نفسي:
حقاً هناك اشخاص هدايا القدر قلوبهم نقيه وهمساتهم قطعاً من السعاده … بوجودهم تزداد حياتنا جمالاً وروعه فياربي احفظهم … فوجودهم بحياتنا … بقلوبهم الطاهره … النقيه يجعلوننا نشعر أن زمن الأخيآر من البشر لم ولن ينتهي رفقتهم متعه ووجودهم في حياتنا كنز فيعطرون أرواحنا دائماً بجميل طلتهم وحسن كلماتهم فيارب بارك لنا فيهم واحفظهم بقربنا ولا تحرمنا جميل أثرهم ودعائهم…
……………………………………..
في إحدى الليالي جاءت الممرضة وقالت: استعدي للاستحمام …
قلت: ماذا؟ استحمام … أنتظر هذا لاستحمام منذ أيام …
أردت النزول من السرير ولكن الممرضة قالت: استحمامك هنا على السرير!!
نظرت إليها متعجبة استحمام على السرير؟!!!
في هذه الأثناء رن هاتفي .. كانت المتصلة أمي قلت لها: سأستحم يا أمي …
ردت سريعاً: رائع …
قلت: ولكن على السرير هل يعقل هذا؟!
قالت: لا بأس بذلك يا ابنتي … أنت في المستشفى وكل شيء جائز …
استسلمت للممرضة التي بدأت تباشر عملها (استحمام بالشاش والقطن!!!) وقلت ليس بيدي حيلة..
قضيت في المشتشفى 40 يوم كانت تجربة فيها الكثير من الدروس والمفاجآت … التمريض، المريضة التي كانت معي بالغرفة ومشاكلها التي لا مجال لذكرها …
حتى جاء اليوم ما قبل الأخير، لقد عرفت من الدكتور أني سأخرج غداً،
جاءت أمي وقلت لها غداً سأخرج ..لقد اشتقت لبيتنا، لغرفتي التي لا أعلم كيف حالها؟
قالت أمي: هي على أحسن حال… منذ أن خرجت والعاملة تقوم بتنظيفها وتعطيرها وفتح النوافد للتهوية …لا تقلقي غرفتك لا تزال بخير…
شكرت أمي لهذا الاهتمام …
في هذا اليوم شكرت جميع الممرضات اللاتي كن معي، وطلبت منهم المسامحة إن سببت لهن الأذى، شكرت جميع الأطباء على ما قدموه لي من رعاية طبية رائعة …
نمت تلك الليلة وأنا أترقب وقت الخروج …
يا ربي … سأخرج بعد 40 يوم .. كيف سيكون العالم الخارجي …
في الساعة الثانية بعد الظهر جاء والدي وأنهى جميع أوراق الخروج … كنت سعيدة بحضوره وسألته عن أمي فقال: هي في البيت تجهز لك الغذاء …
خرجت من المستشفى وصرت أنظر للعالم الخارجي… الأشجار، الناس وهي تمشي في الشارع … استنشقت الهواء مرة وأخرى … وقلت لك الحمد يا ربي … لك الحمد يا ربي على نعمك …
وصلنا البيت …
شممت رائحة بخور …
نظرت لأبي وقلت هل لدينا عرس؟!
قال أبي وهو يضحك … نعم … هيا ادخلي …
فتح الباب ..
ما هذا … أجواء بهجة وفرح … حفلة … زينة … بالونات ….
جاءت أمي حضنتني وقالت الحمد لله على السلامة يا ابنتي …
جاء أخي خالد وسلم عليّ
جاءت زجل وقبلتني … وهي تقول هذه هديتنا لك حفلة السلامة …
ثم صارت زجل تردد
سلامتك سلامتك نود لك سلامتك
سلامتك سلامتك نود لك سلامتك
أنت الأمل ألهمتنا
صن صحتك واضحك لنا
فالطير يشدوا حولنا
يقول لك
سلامتك سلامتك نود لك سلامتك
السعد حل مقبلا
واليأس ولى مدبرا
جميعنا نقول لك
سلامتك سلامتك نود لك سلامتك
أنت الأمل أنت الهنا
أنت السعادة والمنى
جميعنا نقول لك
سلامتك سلامتك نود لك سلامتك
سلامتك سلامتك نود لك سلامتك
همسة أمل:
هناك أشخاص هم الأمل بذاته.
الحلقة القادمة : الحلقة الأخيرة
شكراً جزيلاً لك أخي العزيز