مقالات

أترك أثرا ً قبل الغياب والرحيل – 3

أحمد بن مكي الجصاص

المحور الثالث : السجايا الخُلقية للمرء :

١- المبادرة بإلقاء التحية :
أولى الدين الإسلامي مسألة التحية وهي شعيرة من شعائر الإسلام إهتماما ً قل نظيره من بين الآداب الاجتماعية التي تتحدث عن أهميته وكيفيته ، فالتحية الحسنة ، تكاد تكون من أوثق العرى التي تربط المجتمع ، حيث كان لها هذا النصيب الكبير من الاهتمام في الدين الإسلامي .

يقول تعالى : ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنّ‏َ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ حَسِيباً﴾ سورة النساء – آية ٨٦

فقد وصف الله تعالى أهل الجنة بأنهم يحيون بعضهم بالسلام المتعارف بيننا يقول عز وجل: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمّ‏َ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ‏ِ الْعَالَمِينَ﴾ سورة يونس – آية ١٠ ، ويقول في موضع آخر: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ﴾ سورة إبراهيم – آية ٢٣

الصيغة الإسلامية للتحية (السلام):
إن أصحاب النبي (ص) إذا أتوه قالوا له: أنعم صباحًا أو أنعم مساء، وهي تحية أهل الجاهلية، فأنزل الله تعالى: ((وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ)) (سورة المجادلة – آية ٨)، فقال لهم رسول الله (ص): ((قد أبدلنا الله بخير من ذلك)) تحية أهل الجنة، (السلام عليكم).

ولقد أدبنا الرسول الأكرم (ص) وأهل البيت (ع) على رد السلام بلسان طيب ، وأفضل الردود قول الإنسان: ” وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته” ، وينقل لنا سلمان المحمدي رضي الله عنه ، قصة لطيفة حدثت على عهد الرسول الأكرم (ص) فيقول: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: “السلام عليك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: “وعليك ورحمة الله”، ثم أتى اخر فقال: “السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله”، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: “وعليك ورحمة الله وبركاته”، ثم جاء اخر فقال السلام “عليك ورحمة الله وبركاته”، فقال صلى الله عليه و آله و سلم له: “وعليك”، فقال له الرجل يا نبي الله بأبي أنت وأمي أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي؟! فقال صلى الله عليه و آله و سلم: “إنك لم تدع لنا شيئاً، قال الله ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ فرددناها عليك”

فضل إفشاء السلام والبدء به‏ :-
لما للإبتداء بالسلام‏ من أهمية ، جعل الله تعالى الحافز لدى المؤمنين لإفشاء السلام فيما بينهم، الفضل الأكبر من الحسنات للمبتدئ بالسلام ، وإن إفشاء السلام من المستحبات المؤكدة عليها ، فعن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (ص): السلام تطوع والرد فريضة) ، وعن أبي جعفر (ع) قال: (إن الله عزوجل يحب إفشاء السلام) ، وعن عن أمير المؤمنين (ع ) عن رسول الله (ص) : “السلام سبعون حسنة ، تسعة وستون للمبتدي وواحدة للراد” وقال أبو عبد الله (ع) : من قال سلام عليكم ورحمة الله، فهي عشرون حسنة.

آثار البدء بالسلام على المرء والمجتمع:
فقد حث الإسلام على إفشاء السلام ، وأوصى المؤمنين بعدم ترك السلام فيما بينهم لأثرها البالغ :-

١- الإتصاف بسجية حسنة وبصفة النبي(ص) والأسوة به ، بحيث كان يبدء ويبادر بالسلام.
٢- نزول الخير والبركة ، فعن النبي (ص) (أفش السلام يكثر خير بيتك) ، وعن النبي(ص): ” سلّم على من لقيت يزد الله في حسناتك”).
٣- دليل خُلق المرء العالي ، فعن الرسول الأكرم (ص) : “ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال إفشاء السلام في العالم”
٤-إفلاس المرء أخلاقيا ً ، فعن النبي (ص) قال: أبخل الناس من بخل بالسلام، وقال علي : أبخل الناس رجل يمر بمسلم فلا يسلم عليه ،. وعن أبي عبد الله (ع) قال: (إن الله عزوجل قال: إن البخيل من يبخل بالسلام) .
٥- تواضع المرء ، قال أبو عبد الله(ع) : من التواضع أن تسلم على من لقيت ) .
٦- محبة الناس وإجتناب العداوة والبغضاء قال رسول الله (ص) : إذا قام أحدكم من مجلسه فليودعهم بالسلام، وقال (ع) : أفشوا السلام تسلموا ).
٧- محبة الله عزوجل و وجوب مغفرته ، قال علي (ع) : إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام.
٨-العمل بسنة الملائكة عن الإمام الباقر (ع) قال رسول الله (ص) : (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه وليصافحه ، فإن الله عز وجل أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة”)
٩- القضاء على الطبقية في المجتمع والمواساة في السلام على الفقير قبل الغني ، عن الإمام الرض(ع): ” من لقى فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقى الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان .

متى يكون السلام ؟ 
١-السلام قبل الكلام:
إن للسلام أفضلية على سائر الكلام ولذا أكدت الكثير من الروايات عن أن يبتدى الإنسان بالسلام قبل أي كلام آخر ، ففي الرواية عن الإمام الصادق (ع): “السلام قبل الكلام” ) ، بل أن خاتم الأنبياء (ص) نهى عن إجابة من بدأ بالكلام قبل سلامه ، عن رسول الله الأكرم (ص) : “من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه”

٢-السلام عند دخول البيوت:
أن إستحباب السلام مؤكدً عند دخول البيت وهو من الآداب الاجتماعية التي يعاب تاركها، وقد أكد عليها الله تعالى حيث يقول عز من قائل: ﴿إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْاياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ سورة النور – آية ٦١.

وللسلام عند دخول البيت له أثر معنوي خاص, ففي الرواية عن رسول الله (ص): “إذا دخل أحدكم بيته فليسلم، فإنه ينزله البركة، وتؤنسه الملائكة”.

مواضع السلام‏ :-
لقد ذكرت الأحاديث الشريفة لنا مواضع يحسن فيها البدء بالسلام من قوم دون آخرين ، وفي حالة دون حالة ، ويجمع هذه الآداب جميعاً حديث مروي عن الرسول الأكرم (ص): “يسلم الصغير على الكبير، ويسلم الواحد على الاثنين، ويسلم القليل على الكثير، ويسلم الراكب على الماشي، ويسلم المار على القائم، ويسلم القائم على القاعد”


أحمد بن مكي الجصاص
———————-
مصادر الحديث :
شرح أصول الكافي – مولي محمد صالح المازندراني – ج ١١ – الصفحة ١٠٨ -١١٨

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى