مقالات

عيناه محروقتان !!


رضي منصور العسيف

(1)
رأيته في المنام واضعاً يديه على عينيه … يصرخ عيناي تحترقان …
قلت له لقد حذرتك مراراً …
اقترب مني طالباً المساعدة … قائلاً: ساعدني في إطفاء هذه النيران …
بحثت عن قارورة ماء … لم أجد…
قلت له: لا يوجد ماء …
ابكي حتى تنظفأ هذه النيران …
اجابني: ليس لدي دموع …
استيقظت من هذا الحلم المرعب … وقلت: ” عذت بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون، من شر ما رأيت، ومن شر الشيطان الرجيم “
بدأت أفكر… هل هذا الحلم حقيقة … هل أتصل بصديقي وأخبره بهذا الحلم … لكن الوقت متأخر إنها الساعة الثانية بعد منتصف الليل … سأنتظر حتى بزوغ الفجر… سألتقي به في العمل…
لم أستطع النوم حتى سمعت آذان الفجر …
تهيأت للصلاة … وقرأت القرآن والدعاء …

(2)
لقد تأخر عن العمل … ليس من عادته …
سأنتظر نصف ساعة لعله يحضر … ربما كان الازدحام في الشارع هو سبب تأخره …
بدأ القلق يساورني … الساعة العاشرة ولم يحضر…
لابد أن أتصل عليه …
بدأت أتصل الجوال يرن ولكن لا يرفعه
كررت الاتصال مرة أخرى … لا جواب
بدأ القلق يزداد …
عاودت الاتصال … وتم الرد … لكن هذا صوت آخر
سألته من معي؟!
أجابني بصوت حزين … هذا أنا (سعيد) ابن عبدالعزيز…
سألته: أين والدك لماذا لم يحضر للعمل …
أجابني: والدي في المستشفى مغمى عليه …
سألته: مالذي حدث … منذ متى وأنتم في المستشفى؟
أجابني وهو مختنق بعبرته: نحن هنا من يوم أمس المغرب …
قلت له: لا تحزن سوف أحضر لكم حالا…

(3)
وصلت المستشفى …
التقيت بـ ابنه سعيد … هدأته قائلاً: لا بأس عليكم … إن شاء الله يكون عارض صحي بسيط ويعود إليكم والدكم بصحة وعافية …
ماذا قال لكم الطبيب؟
أجابني: قال إنه مصاب بنزيف في المخ بسبب ارتفاع في ضغط الدم…
سوف تجرى له عملية جراحية بعد ساعة …
قلت له: اهدأ الآن وعلينا أن نتوجه الى الله بالدعاء …
ثم سألته أين هي والدتك…
أشار إليها…
وجدتها تبكي وتتمتم بكلمات لماذا يا زوجي …
سألت سعيد أخبرني ماذا حدث؟
قال: عاد أبي من عمله … تناول وجبة الغذاء معنا…
ثم توجه لغرفته ليأخذ قسطاً من الراحة …
بعد ساعة سمعت صرخة من ناحية غرفة والدي (راسي) … توجهت مسرعاً لغرفته فوجدته مغماً عليه …
توقف عن الكلام …
جرت دموعه على خديه …
وجدته ماسكاً بجواله الذي كان يعرض مشاهد…
نكس رأسه …
رتبت على كتفيه وقلت: علينا أن ندعو له بالشفاء …
(4)
اتصلت بصديقي وهو طبيب يعمل في العناية المركزة … سألته عن حالة المريض عبدالعزيز …
اجابني: سوف نجري له عملية جراحية في المخ …
سألته هل هي خطيرة؟
أجابني: أكيد خطيرة … ولكن الأطباء سيبذلون جهدهم … فلا تقلق … لدينا كادر طبي لديه من الخبرات ما يكفي لنجاح العملية… العملية ستستغرق 8 ساعات … ونسأل الله النجاح والشفاء للمريض…
قلت له: على الله نتوكل … ابذلوا جهدكم
توجهت لعائلة عبدالعزيز وقلت لهم: لقد تحدثت مع الطبيب وطمأنني على نجاح العملية…
(5)
في المساء اتصل بي صديقي الطبيب وأخبرني بنجاح العملية إلا أنه قلق على سلامة العين … فقد تكون تأثرت بسبب ارتفاع ضغط الدم ما يسبب له اضطراب في الرؤية او فقدان البصر كاملا…
قلت: “إنا لله وإنا إليه راجعون”
بقي عبدالعزيز في غيبوبة لمدة أسبوع … وكنت على تواصل مع ابنه سعيد ليخبرني ما هو الجديد …
في صباح اليوم الثامن …
اتصل بي سعيد ليخبرني بأن والده أفاق من غيبوبته …
فقلت: الحمد لله على السلامة… سوف أحضر لكم بعد الانتهاء من العمل…
توجهت للمستشفى مباشرة لأرى صديقي عبدالعزيز …
دخلت الغرفة… سلمت عليهم …
اقتربت من عبدالعزيز … وجدته قد وضع شاش على عينيه …
قلت له: الحمد لله على السلامة يا صديقي…
أجابني بصوت ضعيف … خسرت عيني يا صديقي … خسرت عيني …
نظرت لـ سعيد وسألته ماذا جرى … ماذا قال الطبيب؟
اجابني سعيد: لقد فقد والدي عينيه للأبد … هذا ما قاله الطبيب …
توجهت لـ عبدالعزيز وقلت له: لا يزال هناك أمل لتصحيح البصيرة يا صديقي …
بكى عبدالعزيز … وقال: “قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي”
مسكت يديه ودموعي على خدي وقلت له: “فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” مريم/16

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى