ضيف العباس
رضي منصور العسيف
التقيت به وهو عائد من المجلس الحسيني …
سألته لماذا أراك هنا في هذا الوقت ولا يزال المجلس مستمر في برنامجه الحسيني …
نظر إليّ ودموعه على خديه وهو يقول: لقد أغلقوا الباب … يقولون لقد اكتمل العدد… أبعد هذا العمر أبقى بعيداً عن مجالس الحسين (عليه السلام)…
لم يستطع إكمال حديثه …
قلت له: لا بأس عليك يا حاج علي … تعال معي وسوف تدخل إن شاء الله ….
مسح دموعه وقال: حتى لو أجلس في نهاية المجلس … حتى لو أجلس على الأحدية …هذا المجلس أنتظره منذ عام …. وهذه الليلة ليلة العباس ولي مع العباس علاقة خاصة… هذا باب الحوائج … لقد طرقته عدة مرات طلباً في قضاء حوائجي … وكانت تقضى والحمد لله … كنت أناديه بـ :” إلهي بحق كاشف الكرب عن وجه أخيه الحسين (عليه السلام) اكشف كربي”…
تابعت المسير معه للمجلس الحسيني وهو يحدثني عن علاقته بالحسين والعباس وأهمية المجالس الحسينية…
يا بني هنيئاً لكم هذا التوفيق في خدمة الإمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام وأرجو أن تقبل وصيتي …
سألته وما هي وصيتك؟!
قال: اخدموا الحسين بنيات صادقة … استمروا في إقامة شعائر الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) مهما كانت الظروف … مهما كان العدد قليلاً … فهذه الشعائر هي حياة لمجتمعكم …
يا ولدي «لا تفتر عن إحياء ذكر أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، فباب الحسين هو أوسع أبواب رضا الله سبحانه»..
وصلنا المجلس الحسيني … طلبت من أحدهم أن يدخل هذا الحاج للمجلس الحسيني … فأجابني: منذ لحظات خرج أحدهم … ويمكن للحاج علي أن يدخل المجلس ….
تهلل وجهه فرحاً … وانهملت دموعه مرة أخرى … ونادي بأعلى صوته: واعباساه…
دخل الحاج علي المجلس وكان الخطيب يتحدث عن مكانة العباس وفضائله:
لقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله في ولده العباس (ان العباس بن علي زق العلم زقاً)(1).
وهذه الشهادة التي شهد أمير المؤمنين لولده العباس تعطي انطباعاً مهماً عن شخصيته العلمية، كما تحث الإمام الصادق عليه السلام عن تفقهه وبصيرته فقد ورد عنه (عليه السلام) قوله: (كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً) (2).
“لقد اشتمل العباس بالوفاء، واشتمل به الوفاء…
وتسربل بالإيثار، وتسربل به الإيثار…
وتخندق بالشجاعة، وتخندقت به الشجاعة…
لقد مثل كل الفضائل، فتمثلت فيه كل الفضائل… ” (3).
ثم بدأ الخطيب في قراءة مقتل العباس…
وصل العباس الفرات بعد أن قاتل الأعداء … ونزل الفرات مطمئناً غير مبال بتلك الجموع … وملأ القربة بالماء وركب جواده وتوجه نحو المخيم …
إلا أن الأعداء قطعوا عليه الطريق … وبدأ العباس يقاتلهم قتال الأبطال… وكشفهم عن طريقه…
حتى كمن له زيد بن الرقاد الجهني من وراء نخلة فضربه على يمينه فبراها …
صرخ الحاج بأعلى صوته: واعباساه … واعباساه …
استمر الخطيب في قراءة مقتل العباس وهو يقول: لم يعبأ العباس بيمينه المقطوعة … فكان همه إيصال الماء إلى أطفال الحسين … لكن حكيم بن طفيل كمن له من وراء نخلة فلما مر به العباس ضربه على شماله فقطعها ….
صرخ الحاج علي مرة أخرى بأعلى صوته: واعباساه … واعباساه …
أكمل الخطيب قراءة المقتل …
… وتكاثروا على العباس واتته السهام كالمطر فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها …
ضج الحضور بالبكاء … وخرجت صرخة الحاج علي: واعباساه … واعباساه ….
استمر الخطيب في القراءة …
وجاء رجل وضرب العباس على رأسه ففلق هامته …
وسقط العباس على الأرض ينادي عليك مني السلام يا أبا عبدالله ….
وقف الحاج صارخا واعباساه واعباساه…
حاجتي يا عباس … واعباساه …
انتهى المجلس ….
خرج الناس …
رأيت الحاج علي مكانه … ذهبت إليه ناديته: … حاج علي… حاج علي … هيا انهض فقد انتهى المجلس …
لم يجبني … نظرت إليه دموعه لا تزال على خديه … هو مبتسم ….
حركته لم يتحرك … لم يتحرك …
صرخت … حاج علي …. يا ضيف العباس …
هنيئاً لك هذه الضيافة ….
الهوامش:
1 ) اسرار الشهادة للدربندي الطبعة الحجرية : ص324
2 ) تنقيح المقال ج2 ص 128.
3 ) العباس بطولة الروح وشجاعة السيف ص 9