مقالات

أترك أثرا ً قبل الغياب والرحيل -8

أحمد بن مكي الجصاص

المحور الثالث : السجايا الخُلقية للمرء :

تاسعا ً : حُسن المقال :

إن المشاكل الاجتماعية ، والأزمات المعكرة لصفو المجتمع ، في الأغلب منشأها بوادر اللسان ، وتبادل المهاترات الباعثة على توتر العلائق الإجتماعية ، وإثارة الضغائن والأحقاد بين أفراد المجتمع ، من أجل ذلك كان صون اللسان عن تلك القوارص والمباذل ، وتعويده على الكلم الطيب ، والحديث المهذب النبيل ، ضرورة حازمة يفرضها أدب الكلام وتقتضيها مصلحة الفرد والمجتمع .

فطيب الحديث ، وحسن المقال ، من سمات النبل والكمال ، ودواعي التقدير والإعزاز ، وعوامل الظفر والنجاح .

وقد دعت الشريعة الإسلامية إلى التحلي بأدب الحديث ، وطيب القول ، بصنوف الآيات والأحاديث المتواترة ، وركزت على ذلك تركيزاً متواصلاً إشاعة للسلام الاجتماعي ، وتعزيزاً لأواصر المجتمع .

قال تعالى : «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا» (الإسراء /آية ٥٣) ، وقال سبحانه : «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً» (البقرة /آية ٨٣) .

وقال تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا» (الأحزاب/آية ٧٠ -٧١) .

عن رسول الله (ص) – لما سأله رجل عن أفضل الأعمال -: إطعام الطعام، وإطياب الكلام (١) ، عن علي (ع): ثلاث من أبواب البر: سخاء النفس، وطيب الكلام، والصبر على الأذى (٢) .

وعن رسول الله (ص): إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، يسكنها من أمتي من أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشا السلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام (٣).

وعن الصادق (ع): معاشر الشيعة، كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للناس حسنا ..(٤).

يحكى أنه اجتمع أربعة ملوك فتكلموا :
فقال ملك الفرس : ما ندمت على ما لم أقل مرة ، وندمت على ما قلت مراراً .
وقال قيصر : أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت .
وقال ملك الصين : ما لم أتكلم بكلمة ملكتها ، فإذا تكلمت بها ملكتني .
وقال ملك الهند : العجب ممن يتكلم بكلمة إن رفعت ضرت ، وإن لم ترفع لم تنفع (٥) .

آثار حسن المقال على الفرد والمجتمع :

ونستجلي من النصوص ضرورة التمسك بأدب الحديث ، وصون اللسان عن البذاء ، وتعويده على الكلم الطيب ، والقول الحسن ، فللكلام العفيف النبيل حلاوته ووقعه في نفوس الأصدقاء والأعداء معاً ، ففي الأصدقاء ينمي الحب ، ويستديم الود ، ويمنع نزغ الشيطان ، في إفساد علائق الصداقة والمودة .

وفي الأعداء يلطف مشاعر العداء ، ويخفف من إساءتهم وكيدهم ، لذلك نجد العظماء يرتاضون على ضبط ألسنتهم ، وصيانتهم من العثرات والفلتات .

١- زيادة المال وتنمية الرزق وينسئ الأجل ودخول الجنة ، عن علي بن الحسين (ع) : «القول الحسن يثري المال ، وينمي الرزق ، وينسئ في الأجل ، ويحبب إلى الأهل ، ويدخل الجنة» (٦)

٢-اجتناب العداوة ، عن علي (ع): عود لسانك حسن الكلام تأمن الملام (٧)
٣- كثرة المحبين وقلة المبغضين ، وعنه (ع): عود لسانك لين الكلام وبذل السلام، يكثر محبوك ويقل مبغضوك (٨) ، وعنه (ع): من عذب لسانه كثر إخوانه (٩)


—————————
المصادر :
(١) البحار: ٧١ / ٣١٢ / ١٢.
(٢) المحاسن: ١ / ٦٦ / ١٤.
(٣) معاني الأخبار: ٢٥١ / ١.
(٤) أمالي الصدوق: ٣٢٧ / ١٧.
(٥) مجاني الأدب
(٦) ، (٧) ، (٨) ، (٩) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٧٤٣

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى