دينية

كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسين آل خميس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين على نعمه كلها وعلى آلائه باوسعها وعلى عطاياه بأسبغها والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنذير بين يدي الساعة والبشير عن ربه بالسعادة محمد وآله انوار الهداية الاخيار الابرار الطيبين الطاهرين
(ومبشرًا برسول من بعدي اسمه احمد)
قال المولى الله تعالى في كتابه الكريم (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) الصف|٦
اقتضت حكمة الله تعالى ان يقيم سببًا وحبلا بينه وبين عباده ليبقى الارتباط والاتصال بين العباد ومعبودهم الله تعالى لئلا يقعوا في الضلال والضياع والسقوط والتردي وكان ذلك السبب والحبل هو دين الله تعالى لقوله عز وجل (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) آل عمران |١٠٣
فكان الحبل هو دين الله المتين والذي به تكون العصمة من الضلال والسقوط وبالتالي الهداية الى الصراط المستقيم الذي فيه النجاة كما يقول الله تعالى (وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) آل عمران|١٠١
وحبل الله ودينه المستقيم يمثله ويجسده رجالات وشخصيات اختارها الله واصطفاها على علم منه واحاطة وجعلهم بالمستوى والقدرة التي تتوافق ومقام هذا الصراط وهذا الدين من العصمة والطهارة والصون من النقص والزلل
فكانوا هم الانبياء والرسل الذي شرفهم ربهم بطيب الولادة وطيب النفوس وطهارة الساحة وعصمتها لتكون اهلاً لحمل الدين والدعوة اليه والذي به تكون العصمة والصون لم يعتصم ويتمسك به ويلتزم بمضامينه وتشريعاته ويسير على هديه واحكامه
والتمسك بدين الله لا يكون ولا يتحقق الا عبر سفراء الله تعالى ورسله الذين نصبهم واقامهم ليكونوا سببًا وطريقًا بينه وبين خلقه واعتبر الله تعالى طاعتهم من طاعته ولا طاعة له الا بطاعتهم اذ يقول الله تبارك وتعالى(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) النساء|٨٠
وهذه الطاعة والاتباع لها امتدادها من رسول الى وسول ومن نبي الى نبي من اولهم الى اخرهم ومن فاتحهم الى خاتمهم كل يبشر ويخبر بمن يأتي من بعده اي يبشر السابق لمن هو تالي ولاحق من بعده الى ان انتهى المطاف الى ساحة نبي الله وروحه المسيح عيسى بن مريم الطاهر بن الطاهرة على نبينا وابويه وعلى عيسى وامه افضل الصلاة والسلام والتحية والاعظام
فما كان بوسعه ان يخلو او يرحل من ساحته الا ويشير ويبشر بنبي ورسول يأتي من بعده ويواصل المهمة ويبلغ الرسالة ويدعو الى ربه والى صراطه المستقيم الذي به يكون الاعتصام والسير على المحجة البيضاء والشريعة السمحاء فكان ذلك بمثابة الانتقال والتحول من مرحلة الى مرحلة اخرى ومن مرجعية وقيادة الى مرجعية وقيادة اخرى
وهذا لا يغير من المهمة شيئًا بل الوضع هو الوضع والحال هو الحال سواء في زمن وجود النبي السابق او وجود النبي اللاحق لانهم جميعًا يمثلون مهمة واحدة ودعوة واحدة الا وهي الدعوة الى دين الله وشرعه وماكان اللاحق في شيء من الاختلاف عما عليه السابق بل الانطلاقة هي هي كما في زمن السابق هي في زمن اللاحق وهكذا قالها رسول الله محمد (ص)(انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)
اي ماكانت بعثته ورسالته الا كما هي بعثة ورسالة من سبقه كلها رسالات اخلاق ومكارم وفضائل ومناقب وحين يبشر نبي الكرامة والطهارة عيسى بن مريم بنبي يأتي من بعده واسمه احمد انما يبشر بما هو ضمان واستقرار لتلك الهداية التي دعى اليها ورفع لواءها وبث روائح طيبها واراد بذلك ان تكون النفوس على استقرار واطمئنان من وجود من يقوم بالمهمة ويحفظها وليس مجرد اخبار واعلام وكذلك الرجوع اليه والاتباع له فهو بذاته اتباع لمن سبقه وبالتالي اتباع الى الله تعالى
فمن ابى ورفض انما هو اعتراض ورفض للمبشر وامره اذ ماكانت بشارة النبي عيسى بن مريم (؏) الا ليكون الامر من بعده هو للرسول محمد (ص) والعود اليه في القيادة والاتباع
وهكذا قالها ابن مريم عيسى العلا (؏)(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) الصف|٦
نعم البشارة شيء عظيم اي حين بشر النبي عيسى بقرب مجيء النبي احمد على نبينا وآله وعلى عيسى وامه افضل الصلاة والسلام كان ذلك امرًا عظيمًا وشيئًا جليلاً وهذا انما يدل على عظمة وجلالة رسالة النبي عيسى ومقامه بحيث انه لم يترك الساحة ويرحل او يرتفع الا بعد ان وجه الانسانية برمتها وليس المسيحية فقط الى قيادة لا تقل حكمتها وقدرتها عما كان عليه بل اعظم واقدر وكيف لا وهو سيد الرسل واشرف الانبياء؟
وهذا التحول والانتقال من قيادة ونبوة النبي عيسى بن مريم(؏) الى قيادة ونبوة النبي محمد (ص) انما هو انتقال ليتحقق به الاتصال بالسماء والدين ويكون به اتمام ما اراده الله وهو اتمام مكارم الاخلاق واكمال الدين الذي كان عليه انبياء الله ورسله وعلى ذلك فقد قال رسول الكمال ونبي التمام محمد (ص)(انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)
ويبقى امر اهم واعظم الا وهو مابعد البشارة والاخبار كيف يكون الموقف والتصرف ؟وماهم صانعون وماهم فاعلون؟
المفترض ممن يحسب نفسه على المسيح ان يقدّم ويقدم على ما اشار اليه المسيح عيسى النبي(؏) ويكون تابعًا وصائرًا الى من بشر به النبي عيسى بن مريم (؏) فيكون بذلك قد برهن على انه يمتثل لامر وتوجيه المسيح (؏) وغيره من الانبياء انتهاءً لأمر الله تعالى
وهذا ما ارادته السماء وحكمتها فيما يكون من ادارة الدين وتولي شؤونه بأن يبشر ويعلن النبي السابق بالنبي اللاحق ويكون ويكل صدق واخلاص حين يكون الالتزام بما وجه اليه هذا النبي الراحل للنبي القادم
هكذا تكون الطاعة والاتباع لهذا النبي هي ذاتها طاعة واتباع للنبي الذي قد مضى ومن يرد هذا انما يكون رادًا ورافضًا لما اراده النبي عيسى (؏)

نسأل الله المولى الكريم ان يوفقنا لطاعته وطاعة نبيه محمد وآله الاطهار والتمسك بحبله ودينه لننال العصمة والنجاة
انه ربنا سميع عليم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كلمة الجمعة ٢٠|٣|١٤٤٢ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى