إشراقات تطوعية في زمن الأزمات
بقلم: جواد المعراج
إن للعمل التطوعي آثارا كثيرة ومتنوعة لتنمية وتطوير وتقدم المجتمعات البشرية إلى الأحسن والأفضل دوما، حيث أنه يساهم في خلق الأجواء الإيجابية التنافسية بين أبناء المجتمع الواحد، وعلى وجه الخصوص في فترة الأزمات الصعبة والطارئة، فهذا النوع من العمل يشجع الآخرين على تأدية مختلف الأنشطة التي تمكنهم من تحمل المسؤولية الكاملة تجاه البيئة الاجتماعية، ويكرس العطاء بمختلف أشكاله سواء كان ماديا أو معنويا، كما إنه يعزز من القيم الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية بين مختلف الشرائح باختلاف أطيافها.
ومن هنا يستلزم التفكير في تطوير العمل التطوعي وفتح آفاق جديدة ومستجدة تتناسب مع تغيرات الزمان والمكان حيث تؤثر تلك التغيرات على الإنسان إن لم يكن الإنسان هو الموجد لتلك التغيرات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وذلك عبر الاهتمام بكل مجالات الأعمال التطوعية، مما يؤدي إلى خلق بيئة منتجة غير استهلاكية تتسم بالتنافس الشريف والإيجابية والتفاؤل والتكامل مابين الفرق واللجان المتطوعة محكومة بعناوين النشاط والفاعلية لتصب تحت مسمى واحد وهو منفعة المجتمع بجميع أفراده. وما يدعونا لذلك هو وجود مواهب وإبداعات وحاجات جديدة في كل مجتمع مع زيادة الكم التراكمي المعرفي المتكون من التطور العلمي والعملي والخبرة المكتسبة بتعاقب الأجيال، تلك الطاقات التطوعية الشابة منها على الأخص لابد من احتوائها وتفعيلها واستيعابها لأمرين رئيسين هما:
الأول :عدم استيعاب تلك الطاقات الحيوية والنشطة في جانب الخير ومصلحة المجتمع قد يجعلنا (لاقدر الله) نضيعها ونفتقدها وقد يستثمرها البعض في طرق أخرى تؤدي إلى فساد المجتمع وتدميره.
الثاني: وجود الفئات التي تحتاج إلى الكثير من العمل والجهد واتباع خطط مدروسة تمكنها من تجاوز كل العوائق والعقبات التي تمنعها من تحقيق التكامل، وخلق المنظومة المتقدمة والفعالة التي تسهم في وصول أفراد وأبناء المجتمع إلى أعلى مراتب التعاون، والتكافل الاجتماعي، والكرم، والتضحية، والبذل.
إن المصابين بڤيروس كورونا ومن حولهم، وكذلك المتضررين من الأوضاع المادية، كالمتسببين الذين تردت ظروفهم المعيشية بسبب توقف الاعمال، يحتاجون الى تكاتف المجتمع معهم نفسيا وليس فقط ماديا، أن التحركات المثمرة والممنهجة والسريعة في فترة انتشار الوباء وحدوث الأزمات التي تؤثر على الفرد والبيئة التي يعيش فيها، لها أهمية قصوى لأن الأزمات الطارئة لا تعرف بدايتها ولا يعرف متى ستنتهي .
ونقتبس من كتاب أفكار في العمل التطوعي صفحة 25 للمؤلف الدكتور الشيخ عبدالله اليوسف ما نصه:
“إن القيام بالمبادرات التطوعية التي تهدف إلى الرعاية النفسية والعاطفية للأيتام والفقراء والأسر المحتاجة والمساكين، لا يقل أهمية عن الرعاية المادية إن لم يكن أهم، فإن هذه الشريحة الاجتماعية لا تحتاج فقط لتوفير حاجاتها المادية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن بل تحتاج أيضا إلى الاحترام والتقدير، ومراعاة مشاعرها، ونلاحظ أن مجتمعاتنا تهتم كثيرا بتوفير الحاجات المادية؛ في حين تغفل عن الاهتمام بتوفير الحاجات المعنوية والنفسية، بينما نجد أن القرآن الكريم يشير إلى أهمية الاهتمام بمختلف الجوانب، بما فيها الجانب العاطفي والنفسي لليتيم، يقول الله تعالى: { فَأَمَّا الْيَتِيم فَلَا تَقْهَر }، ولعل من دلالات عدم القهر الإشارة إلى الجانب النفسي وغيرها.”
والخلاصة التي لابد من قولها إن المجتمعات الحية لاتقاس بمقدار اكلها وشربها ومدى تمكنها من توفير أمورها المادية الضرورية فتلك الصفات تشترك فيه المجتمعات الإنسانية مع بقية المخلوقات البهيمية التي تعيش في الصحاري والغابات. فالمجتمعات الحية الحقيقية تقاس بما تمتلك من أفراد يمتلكون الحيوية والقدرة على سرعة التكيف مع المتغيرات الطارئة وكيفية التعامل معها.