متى تنتهي المعركة؟
بقلم: جواد المعراج
تختلف الأفكار، والتوجهات الاجتماعية والثقافية بين الشرائح الاجتماعية، فهناك شرائح تتبع الطرق والأساليب التي تجعلها تتخذ الأفكار، والتوجهات التي لها دور في احترام الاختلاف بين البشر، وإحداث تغيرات إيجابية تؤدي إلى تهدئة الأوضاع في المجتمع، بينما هناك شرائح تلجأ إلى أستخدام مختلف الطرق والأساليب العنيفة التي تساعد على توسيع فجوة المعركة في البيئة الاجتماعية، وذلك من أجل إشعال معارك غير منتهية في المجتمع.
ومن مستلزمات هذه المعارك رفض مناقشة أي فكرة قابلة للنقاش. إن استمرار المعركة يفترض إثارة العداء والمشاحنات بين الأطراف الأخرى، وتسليط الضوء على عيوب الخصم، وذلك عن طريق إبراز الصورة الشيطانية لشخصيته أو طريقة تفكيره تجاه أصحاب التوجهات والأفكار والآراء المختلفة بصورة غير متكاملة، وهذا الأمر طبعا يؤدي إلى إعطاء كل فريق من المتخاصمين الصورة العدوانية والهمجية، ومن الواضح كلما تعمقت المعركة، توسعت فجوة الخلاف في البيئة الاجتماعية، وتحول كل نقاش ثقافي، وفكري، واجتماعي إلى تبادل التهم، وإبراز العيوب، والأخطاء الكبيرة والصغيرة، دون على العمل على تصحيحها، مما يؤدي هذا الأمر إلى نسف الجهود المشرقة للمبدعين.
إن غياب الوعي بين أفراد المجتمع يحول كل صراع أو اختلاف بين مختلف المجتمعات البشرية إلى معركة غالبا ما يصاحبها العنف والتعصب والكراهية، هكذا يمكن القول أن غياب الوعي والنضج في بعض المجتمعات البشرية جعل لديها النظرة السلبية تجاه مختلف التوجهات، فهي ترفض أفكار وآراء مختلف الشخصيات، أن هدفها هو السعي للممارسة الإقصاء الفكري، والثقافي، والاجتماعي، بحجة اعتقادها إنها دائما على صواب، لأنها تعتمد على توجه معين، ورأي واحد فقط، وهذا ما يؤدي إلى بروز أمراض اجتماعية يصعب علاجها.
وإن بعض المجتمعات البشرية تحاول الحصول على تأييد شعبي من قبل الشرائح الاجتماعية الأخرى، ولكنها لا تلقى أي اهتمام، وتفاعل كبير، ويرجع هذا السبب لما تملكه من اتجاهات ملتوية تجعل أصحاب العقول الواعية ترفضها، لأن طريقة التعامل مع المجتمعات الأخرى لا تجدي نفعا في إحداث تغيرات إيجابية في البيئة الاجتماعية، ومن هذا المنطلق يصبح أصحاب الاتجاهات الملتوية محصورين في دائرة ضيقة، ودائما يتم قطع طريق أمام مختلف الأساليب والطرق التي تمكنهم من إشاعة الخلافات العنيفة.
تعدد الآراء والأفكار في أي حقل من الحقول العلمية، والثقافية، وغيرها من حقول أخرى، يعتبر عطاء وإنتاج متجدد ومتنوع من ناحية التفكير، والمناهج، وأن التعدد دليل على وجود عقول واعية ومدركة لزمام الأمور، وقادرة على تقريب وجهات النظر والأفكار، ورد عن الإمام علي (عليه السلام): «أعقلُ الناس مَن جمع عقول الناس إلى عقله».
ولذلك نلاحظ أنه عندما نمنح الآخرين الفرصة لابداء رأيهم باحترام، والتعبير عن وجهات نظرهم ولو كانت متواضعة، فإن هذا يؤدي إلى تقوية العلاقات الاجتماعية بينهم، وذلك من خلال تقديم المساعدة والعون، ومشاركة أفراد المجتمع في تصحيح أخطائهم وأوضاعهم، دون اللجوء إلى تكريس ثقافة العداوة والبغضاء التي لا تعزز روح التعاون والتكافل.
بناء على ما تم ذكره، إن وضع المسارات الفكرية والثقافية، والاجتماعية في نصابها الصحيح، يتطلب دراسة التاريخ عن طريق اللجوء إلى قراءة الكتب التاريخية والتحليل والبحث بشكل دقيق، والنظر إلى الأحداث التاريخية بعين الاعتبار، بالإضافة إلى ذلك دراسة التاريخ أمر ضروري، لأن له أهمية من ناحية أخذ العبرة والأستفادة من الماضي، لمحاولة إيجاد الحلول الفعالة، وتجنب الوقوع في الأخطاء الصغيرة والكبيرة، وأيضا عند دراسة التاريخ نستطيع معرفة مستوى الجهل والتخلف والعلم بين مختلف المجتمعات البشرية، والأمم.