مقالات

المرونة والفراغ

الاستقرار الطويل لا ينتهي إلى الانحدار فحسب، بل يصل إلى الفشل. والماء يصيبه العفن إذا استقرّ طويلاً. في الحركة بركة كما يقولون.

المؤسسة الاجتماعية يصيبها الضمور عند نقطة ما، متى توقفت عن الحركة في تدوير أعضائها، ولتفادي حدوثه يجب فتح الباب على مصراعيه للأعضاء الجدد من خلال الدعوة الصادقة والصديقة، وأن يتهاون رأس الهرم في سلطته إلى أدنى حد يمكن بلوغه للنفاذ في قلوب الناس، ومنها إتاحة الفرصة للأعضاء في المشاركة الجادّة من خلال إحداث الفراغ في تكوين المؤسسة لكي يجد أحدهم طريقه إليه. قد يبدو هذا تهاون في الإدارة، وهو صحيح، وقد يؤدي إلى فشل أو إخفاق في المهمة الجديدة، لكنها أفضل السبل التي يمكن أن تتبعها المؤسسة في اكتشاف طاقة جديدة، واعدة، لم تكن معروفة، صامتة، منزوية، تبحث عن فرصتها للمشاركة.

هذا ينطبق بطريقة ما على ما يقوله الأب الروحي للإدارة الكاتب بيتر دركر في كتابه الإدارة بالأهداف. فهو يشير إلى ضرورة خلق بيئة متحررة من قيود الإملاءات العليا والإرشادات القياسية التي تؤطر الأعمال بطريقتها التقليدية. فقط حدد الأهداف ووفر بيئة العمل واترك الموظف ينطلق في إبداعه.

سأضرب مثلاً محيشي على شخص يعرفه الجميع، قد يختلف البعض في طريقته لإدارة المشروع، وقد يختلف آخرون على شخصه كشخص.. لكنني أقول أننا أمام موضوع ينبغي النظر إليه بتجريد تام، وأن نفهم العمل الذي يقوم به ككل دون النظر للتفاصيل الدقيقة جداً التي يتخذها البعض كذريعة للنيل منه وإن كانت تافهة.

إنه الأخ محمد اليوسف ابن الشيخ عبدالله، لم يكن يُعرف قبل دورات الكرة الطائرة بهذه القدرة الفائقة في الإدارة والتنظيم، إنه نتيجة لفرصة متحررة من القيود، معروفة الأهداف، قابلة للتطبيق، بالطريقة التي يراها مناسبة، دونما إملاءات. لهذا أطلق لنفسه العنان نحو أفق الإبداع. ولا يغيب عنا أنه، قبل هذا، لم يكن بهذه القدرة في تنظيم العديد من الفعاليات الاجتماعية، لأنّ الدور الذي أتيح له لم يكن يوفر له الظروف التي ذكرناها للإبداع.

خلاصة القول إنّ المرونة وإتاحة الفرص وإحداث الفراغ أمور ليست ضرورية للبحث عن المبدعين الجدد في الأجيال الجديدة الشابة فحسب، بل أيضاً لإنقاذ المؤسسة من آفة الضمور والفشل.

صالح مهدي سياب

زر الذهاب إلى الأعلى