مقالات

ضراوة البكتيريا

صالح مهدي سياب

في عام 1199م طعن سهم ملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد في كتفه اليسرى، الإصابة هذه الأيام تعتبر بسيطة وسهلة العلاج، ذلك نظراً للتقدم العلمي وتطور الطب، لكن في ذلك الوقت كان هذا الجرح خطر جداً، إذ لم تكن أدوات التعقيم قد اكتشفت بعد، ولم تكن الأحياء الدقيقة معروفة فضلاً عن علاجها، لذلك لم يكن أمامهم غير بتر الأعضاء. ولأن إصابة ريتشارد قبل الأسد كانت في الكتف فلم يكن خيار البتر ممكناً، فانتقل الوباء من الكتف الى باقي الجسم حتى قضى عليه بعد اسبوعين من المعاناة.

في الحروب القديمة كان الأطباء يستعينون بالنجارين والحدادين لبتر الأعضاء، وكان المشهد مألوفاً في صبيحة اليوم التالي أن ترى "كومة" من الأطراف المبتروة.

أما في عالم اليوم وبسبب تقدم العلم وازدهار الأبحاث في مجالات عديدة، فإن الإصابة التي قتلت ملك أنجلترا الذي لا يقهر، لم تكن غير جرح لا يمثل درجة عالية من الخطورة، إذ القليل من العناية في تعقيم الجرح والعلاج بالمضاد الحيوي كانت ستحميه من التعفن والانتقال لباقي الجسم.

في عصرنا الحديث فضلاً عن اكتشاف البكتيريا وطرق علاجها، فقد رصد علماء الأحياء سلوك البكتيريا وتعرفوا على طريقتها في مهاجمة الجسم والتلاعب بجهاز المناعة والمراوغة والتغلغل في داخله.

على سبيل المثال تمتلك بعض البكتيريا عوامل ضراوة تساعدها على تخطي دفاعات الجسم فتلتصق بالأنسجة من خلال أهدابها التي قد يصل عددها إلى الألف فتقاوم عمليات الغسيل الذي يقوم بها الجسم كالدموع في العين وإدرار البول والمخاط في الأنف وحركة الأمعاء، فإذا لم تلتصق البكتيريا فإنها لا محالة بعد مدة قصيرة خارج الجسم.

تمتلك البكتيريا أسواط تجعلها قادرة على إحداث المرض في أماكن متعددة في الجسم نظراً لقدرتها على الإنتقال السريع من خلال الأسواط التي تشبه الذيل، كذلك تمكنها من اختراق طبقات الجسم والتغلغل داخل الأنسجة.

من خلال إفراز الأنزيمات تستطيع البكتيريا إحداث جلطة داخل الأوعية الدموية، فتتكون الجلطة وتبقى هي في داخلها لكي تحمي نفسها من مهاجمة الخلايا اللاهمة.

كذلك تفرز أنزيمات تعمل على تأخير التئام الجرح من خلال منع تحول الفيبرونجن إلى فايبرين فيبقى الجرح مفتوح ومفكك فتستطيع البكتيريا بسهولة الدخول والتغلغل والانتشار.

هذه بعض السلوكيات التي تتبعها البكتيريا في مهاجمة الجسم وفي المراوغة والتلاعب في الجهاز المناعي التي كانت في العصور الغابرة مجهولة تماماً، لكن بفضل أبحاث العلماء المتراكمة وصلت لنا هذه المعارف التي عند معرفتها عرفنا سلوك العدو والوقاية منه.

زر الذهاب إلى الأعلى