مقالات

مذكرات أمل (4)


رضي منصور العسيف

ذات يوم سأل أخي خالد أمي: متى ستمشي أمل؟! لقد تأخرت نريد أن نتسابق معها.
أجابته أمي ستتأخر في المشي
لديها مشكلة صحية… وإن شاء الله ستمشي في الوقت المناسب…
مضت ست سنوات كنت خلالها أراجع المستشفى… مشكلة الصلب المشقوق استقرت بعد العملية، لم تكن هناك أي مضاعفات لجهاز الشنط الذي زرع في رأسي كما حدثتكم سابقا… ولكن بقيت مشكلة المثانة التي كانت تزعجني كثيرا… فقد كانت صغيرة الحجم سعتها (٦٠ مل) تقريبا ولكم أن تتخيلوا ذلك…
دخلت جمعية المعاقين بالرياض للتأهيل والعلاج الطبيعي…
كانت هناك برامج تأهلية للمشي من خلالها بدأت أمشي خطوات، كما يمشي الرجل الآلي ولكني كنت سعيدة…
كنت أتسابق مع بقية البنات الذين معي بالجمعية وأشجعهم على المشي…
بعدها أجريت لي عملية جراحية للقدمين بسبب الميلان… نجحت عملية قدم وفشلت أخرى…
وتم عمل جهاز خاص للمشي… فرحت به كثيرا… رغم بطء الخطوات إلا أنني شعرت بحلاوة المشي…
لقد تأخرت عن المدرسة سنة كاملة بسبب ضرورة التأهيل،
عندما دخلت الصف الأول ابتدائي بالكرسي المتحرك نظرت إلي الطالبات نظرة التعجب فيما ابتسمت المعلمة وقالت: نرحب بالطالبة أمل… ستكون معنا في هذا الصف… لنصفق لها جميعا…
بدأت الدراسة… طلبت منا المعلمة كتابة الحروف الهجائية، وبعد خمس دقائق نظرت لدفتري فوجدتني قد كتبت جميع الحروف بخط جميل…
وقفت المعلمة مذهولة… سألتني متى كتبتي هذه الحروف؟! أجبتها الآن…
قالت اكتبي لي حرف السين
كتبته…
اخذت الدفتر ورفعته وقالت تصفيق للطالبة أمل…
نظرت لي وقالت يا لك من مجدة…
كانت بعض الطالبات تسألني هل تؤلمك قدماك…
وكنت أجيبهم لا ليس كما تظنون…
وذات مرة قالت لي إحدى الطالبات: أنت مرتاحة على الكرسي، نحن نتعب من المشي…
نظرت لها وفي عيني دمعة وقلت لها: علينا أن نحمد الله على كل حال…
قالت: لم أرغب أبدا في أن أكون سببا لدموعك، أنا آسفة لما قمت به، أرجوك سامحيني
ابتسمت لها وقلت: لقد سامحتك…
كانت بعض المعلمات يطلبن مني المشاركة في بعض الأنشطة المدرسية… أتذكر ذلك اليوم الذي شاركت فيه في مسابقة من يأكل التفاحة دون أن يلمسها… كنت خائفة من سقوط سني فقد كان على وشك السقوط، ولكن المعلمة قالت هيا تشجعي وشاركي معنا… كنت أسمع تشجيع المعلمات… وحققت المركز الثاني وصفق لي الجميع…
حدثت لي عدة مواقف… بعضها لا يمكن أن أنساه .
ذات يوم قالت صديقتي سميرة ما رأيك أن نلعب لعبة السيارة السريعة؟
نظرت إليها وقلت لم أفهم قصدك!
قالت هكذا… وبدأت تدفع الكرسي للأمام بقوة…
كانت تقول هكذا هي السيارة السريعة… وصارت تدور بي في فناء المدرسة..
كنت أصرخ من الخوف… حرام عليك توقفي… توقفي… فجأة سقطت سميرة على الأرض بسبب حفرة صغيرة…
اندفع الكرسي للأمام… وأنا أصرخ… ساعدوني… أغمضت عيني…
فجأة توقف الكرسي…
نظرت أمامي وجدت الخالة أم عبدالله…
صرت أبكي
قالت الخالة أم عبدالله… الحمد لله على السلامة…
في اليوم الثاني تم استدعاء والدة الطالبة سميرة…
اجتمعنا في غرفة الإدارة
كنت مع والدتي…
قدمت أم سميرة اعتذارها
أجابتها أمي… لا بأس ولكن أتمنى أن لا يتكرر هذا العمل من ابنتي سميرة
بكت سميرة وقالت آسفة لم يكن قصدي إيذاء أمل…
في هذه الأثناء جاءت الخالة أم عبدالله ومعها القهوة
قالت المديرة هذه الخالة أم عبدالله التي أوقفت الكرسي ولولا وجودها لاصطدم الكرسي بالحائط…
قالت الخالة أم عبدالله لم أعمل شيئا فهذه أمل ابنتي وكذلك سميرة… الحمد لله على سلامتها…
نظرت أمي لأم عبدالله وشكرتها ثم قالت هل تبقي معنا قليلا…
عدت مع سميرة للصف فيما بقيت أمي والمديرة والخالة أم عبدالله في غرفة الإدارة…
أدخلت أمي يدها في الحقيبة وأخرجت ظرفا ثم قالت للخالة أم عبدالله هل تقبلين مني هذه الهدية…
نظرت إليها الخالة أم عبدالله وقالت: لا يا أختي لا أقبل فأنا لم أفعل شيئا…
قالت المديرة خذيه يا أم عبدالله… أنت تستحقين كل خير لحبك للبنات وما تقومين به من أعمال في المدرسة…
خرجت أم عبدالله من الغرفة وهي تمسح دموعها…
عادت أمي للبيت وتحدثت مع أبي عن الخالة أم عبدالله… شرحت له ظروفها وأنها أم لطفلين (بنت وولد) يتيمين واقترحت عليه أن يكلفهما(كفالة اليتيم)…
وافق أبي واتخذ الإجراء المناسب مع إحدى الجمعيات الخيرية
بعد اسبوعين قابلتني الخالة أم عبدالله… سقطت دموعها… سألتها ما بك يا خالة…
نظرت إلي وقالت: لا أعرف ماذا أقول ولكن لن أنسى موقف والدتك… سأدعو لها بالحفظ من كل سوء…
لم أفهم ما قالته الخالة أم عبدالله…

للقصة بقية

همسة أمل
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في الجنة دارا يقال لها دار الفرح لا يدخلها إلا من فرح يتامى المؤمنين.[1]
“طوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه”

الهوامش:
1)   كنز العمال: ٦٠٠٨,٦٠٠٩.

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى