المسجد .. الأدوار الحيوية
رضي منصور العسيف
قال الإمام الحسن (عليه السلام) : من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة، واخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدله على الهدى، أو ترده عن ردى، وترك الذنوب حياء أو خشية(1).
المسجد هو بيت الله، وهو الحجر الأساس، والنواة المباركة التي يتشكل منها المجتمع الإسلامي، ومنه تنطلق الخيرات، ومنه يستمد الإنسان كل قيم الخير والفضيلة.
ولهذا ورد التأكيد على حضور المساجد وعدم هجرها ، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء"(2).
ماذا تعني عمارة المسجد؟
يقول تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) سورة التوبة/18
عمارة المسجد لا تتم بوضع حجر فوق حجر بل بتنفيذ كل الواجبات الدينية التي تجعل المسجد معموراً جوهرياً لا ظاهرياً وهذا يتطلب تفعيل دور المسجد وجعله مسجداً رسالياً، حيوياً متجدداً، وهذا ما نقرأه في كلمة الإمام الحسن (عليه السلام) من خلال الأدوار التالية:
المسجد : مركز الاطمئنان النفسي
"آية محكمة، .. ورحمة منتظرة،.. وترك الذنوب حياء أو خشية".
المسجد هو مركز العبادة، فهو بنك الأجر والثواب ففيه تتضاعف الأعمال بل إن "الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة" كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(3).
وفي حديث آخر يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا ذر إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكل نفس تنفست درجة في الجنة وتصلي عليك الملائكة وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات وتمحي عنك عشر سيئات (4).
المسجد هو معراج المؤمن فهو يربي الإنسان على الخشوع والسكينة والاطمئنان وفيه يتخلص الإنسان من الشحنات السلبية التي تقلقه وتكدر صفو حياته وبعبارة إن المسجد يصيغ شخصية الإنسان المؤمن إيجابياً ويشحنه بالطاقة الإيمانية من خلال البرنامج الديني (الصلاة والدعاء،.. ).
صناعة برامج دينية
وفي هذا الصدد ينبغي إعداد برامج دينية ليتحول المسجد إلى مركز إشعاع ديني ويبعث الاطمئنان النفسي لمرتاديه.
ولعل البرامج القرآنية هي إحدى البرامج التي ينبغي أن تفعل في جميع المساجد وقد ورد أن الإمام علي (عليه السلام) – لما سمع ضجة أصحابه في المسجد وهم يقرأون القرآن – طوبى لهؤلاء كانوا أحب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5).
الدور الاجتماعي للمسجد
" وأخاً مستفاداً"
المسجد هو أفضل تجمع يجتمع فيه المؤمنون ففيه تجتمع القلوب والأرواح الطاهرة وفيه تتألف النفوس، وفيه تجد أفضل الأصدقاء وبعبارة هو ملتقى الأحبة الأخيار .
ولهذا ينبغي أن يستفاد من المسجد في تشكيل لجان شبابية متآلفة وتستثمر طاقاتها وتنميها لتمارس دوراً حيوياً في المجتمع .
وللمسجد دور في تنمية المجتمع وذلك من خلال التعرف على نقاط الضعف الاجتماعي والمساهمة في حلها.
كما يمكن التعاون بين الجمعيات الخيرية وصناديق الصدقات(العامة) في المسجد للمساهمة في قضاء حوائج المحتاجين .
المسجد: المركز الثقافي
" وعلماً مستطرفاً .. وكلمة تدله على الهدى، أو ترده عن ردى، "
كما أن للمسجد دوراً تثقيفياَ علمياً فهو منبر إعلامي يناقش قضايا الإنسان والمجتمع وهو مركز إشعاع فكري، ثقافي يتمثل من خلال البرامج الثقافية التي ينظمها القائمون على إدارة المسجد.
ومن البرامج الثقافية المهمة نذكر:
تخصيص صفحة الكترونية تهتم بنشر المعارف الإسلامية .
الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والتواصل مع المصلين برسائل ثقافية، فقهية .. وغيرها
تفعيل كلمة الجمعة بما يتناسب ومتطلبات المجتمع ومواكبة المستجدات على الساحة الاجتماعية وغيرها .
تنظيم الندوات والمحاضرات والدورات الثقافية المستمرة .
إنشاء مكتبة ثقافية ودعوة المصلين للاستفادة منها .
وخلاصة القول : إن المسجد هو مركز انطلاق لكل الخيرات وباعثٌ للحيوية والنشاط في ذات الفرد و المجتمع .
الهوامش:
1 ): تحف العقول
2 ): بحار الأنوار، ج77، ص 308.
3 ) : وسائل الشيعة ج4، ص118
4 ) : ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ١٢٥٩
5 ) : ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٥٢١