مقالات

نفحات من الزيارة الجامعة

✍️ حسين المحروس

_________

هذه وقفة تامل في شيء من المعاني الظاهرية لفقرة من الزيارة الجامعة بما يسمح به المقام, فلا نطيل مما يساعد على النشر.

الزيارة وردت عن مولانا الامام الهادي عليه السلام, تيمنا بالذكرى الأليمة لاستشهاده, ولكوني لست من اهل العلم ولا من اهل هذا الاختصاص, أستميح علمائنا الأعزاء وفضلائنا القراء ان كنت قد وردت مائهم واقتحمت حريمهم واحتطبت في حبالهم, فعليهم التسديد.

تبدأ الزيارة بتثبيت موقعية وخصوصية البيت, كأنها تريد ان تغرس في مفهوم المؤمن ان “اهل بيت النبوة” نسبة للنبي صلى الله عليه واله نسبا وقربا بل وحتى مكانا, وذلك من خلال استخدام مفردات مكانية “موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي”, هذا البيت هو محل مجيء ورواح و”مختلف الملائكة”. ومع ان الرحمة قد تفرقت على العباد بنسب متفاوتة, ولكن لأنكم رحمة الله العامة والخاصة للعالمين جميعا, فقد فزتم بالمرتبة الأعلى وهي كونكم “معدن الرحمة”.

تامل مفردة “وخزان العلم” ففيها لفتة الى ان العلم (نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده), وانه مدينة ذات باب (انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها), كما لايخفى عليكم ان لهذا الحديث أصل قرآني (فاتوا البيوت من ابوابها). فبالنتيجة يكتمل المعنى كالتالي, من تجليات علم الله سبحانه ما افاض به على المدينة المتمثلة في ما احتواه صدر رسول الله صلى الله عليه واله وللولوج لتلكم المدينة لابد ان نطلب العلم من علي سلام الله عليه فهو الباب الوحيد, فاذا ما دخلناها وجدنا ان هناك خزانا وحفظة ومستودعين لعلم الله وهو انتم.

ثم تنتقل لوصف الكمال المطلق الذي حازوه صلوات الله عليهم بلا منازع ولا مشابه ولا مقارب لهم في ذلك, حازوه في جميع مناحي كمالات النفس, استخدم الامام ع تعابير عالية المضامين من قبيل “ومنتهى الحلم”, لم يرد الامام مجرد صفة الحلم بل انتقل الى منتهاه واعلى درجاته المتصورة. وإذا كان قد تحدث التاريخ عن الكرم والكرماء فأنتم “أصول الكرم”, الذين اصلتم له وبينتم معناه الحقيقي وحدوده, ومتى يحيد عن الجادة فيستحيل اسرافا وتبذيرا مذموما.

يشدد الامام ع على مفهوم القيادة الربانية تجسيدا وتحقيقا لخلافة الله في الأرض, من خلال الانسان الكامل الذي تتجلى فيه غاية صفات الله الكمالية والجلالية فتأهلتم بذلك لان تكونوا “قادة الأمم” السابقة واللاحقة. بل أنتم قادة على القادة أنفسهم (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا), وهذا وصف مطلق لجميع الأمم من أنبياء ومرسلين, بل ان المعنى لجهة اطلاقه وعموميته وشموليته يتعداه لكل مخلوقات الله من أمم وجماعات وكائنات وعوالم مما يرى ومما لايرى مما عرف ومما لم يعرف مما خلق ومما لم يخلق بعد, مما يتصور ومما لايتصور, مما كان ومما لم يكن بعد, من عوالم الدنيا والاخرة, من جن وملائكة وأرواح وكرسي وعرش ولاهوت وملكوت, أنتم لهم جميعا قادة وسادة واولياء ووسطاء فيض ورحمة.

“أولياء النعم” لعلها إشارة الى حديث الكساء (ماخلقت سماء مبنية الا في محبة هؤلاء الخمسة), فكل نعم الله هي لاجل محبتهم وبسببهم وببركاتهم, فهم الأولياء المقصودين في (صراط الذين أنعمتم عليهم).

وجعلتهم “عناصر الأبرار” أعمدة الخير في الوجود، و”دعائم الأخيار” أساس كل فضيلة وثبات في الأرض، فكانوا “ساسة العباد” قادةً يهتدي بهم الناس إلى طاعتك، وجعلتهم “أركان البلاد” فغدو بالمجتمع الى بر الامان واستقام بهم الدين، وفتحْتَ لهم وبهم “أبواب الإيمان”، وفضلتهم بمرتبة عليا من كونهم “أمناء الرحمن” على أسرار دينك وفضائل رسالاتك، وخصصتهم بان كانوا ولا أحد سواهم “سلالة النبيين”، ورفعْتهم الى منزلة “صفوة المرسلين”، ليكونوا حقا “عترة رب العالمين”. اللهم ثبتنا على ولايتهم وعلى البراءة من اعدائهم.

زر الذهاب إلى الأعلى