مقالات

ليلة العشق “القدر”

✍🏻فؤاد الحمود

من حيث الزمان ما هي إلا ساعات حتى وإن طالت إلى الفجر إلا أن لها خصائص لا تاتي إلا مرة في السنة.

وهذا مدعاة لزيادة الاهتمام والوعي بها وبالأخص كونها لا تتكرر إلا مرة في السنة، وربما لا نعيش من قابل لنلقاها.

صحيح أن الروايات وكتب الأدعية أُلِّفت في أعمال هذه الليلة، والتي تنوعت بصنوف الأدعية والأعمال، بل جاء الحث الكبير على الاشتغال بالتعلم والتعليم، وعدت ذلك من أفضل الأعمال، والذي يؤكد على أن العبادة لابد لها من علم ومعرفة، ولا يمكن ترك التعلم حتى في أصعب الظروف.

ومن المعلوم أن هذه الليلة تحتاج تدريباً عملياً، لذا قد حث الشارع الشريف على العمل خلال الأشهر الثلاثة حتى نصل لهذه الليلة، وتحصل لدينا اللياقة والقدرة على تحمل العبادة بأنواعها.

وحتى اختيار هذه الليلة جاء بعد تدريب كبير في الشهر الكريم، وحث على الصيام تقليلاً من التخمة التي لا تجتمع مع الفطنة، فجاءت هذه الليلة بضيافة خاصة تمهيداً لعروج الأرواح.

ومن السمات البارزة للمؤمنين أنهم يتنافسون في إرسال رسائل تبرئة الذمم والعفو والتسامح إذعانا منهم أن هذا طريق لغفران الذنوب وعروج الأرواح.

ومن الجميل أن الأعمال فيها تتنوع بين قراءة القرآن والأدعية والصلوات، وكأنها رسالة لتنوع قابليات وتفاعل البشر، فمن يستطيع التأمل والتفاعل مع الدعاء فليحلق، ومن له باع في الآيات كذلك يفعل، ومن يجد ضالته في الإستغفار والصلاة فليكثر منهما.

فالمهم هو لقاء المحب، وليس التكرار، ولنبدأ بأحب الأعمال لقلوبنا، أما من زكى نفسه فسيجدها منتجة معه ومتفاعلة، ولن يحس بالملل لأن ليس من أدب العشاق أن تكون جلساتهم مملة ومتعبة فقد يتسامرون ولا يدركون أن وقت اللقاء إنتهى، وهم ما زالوا مأنوسين نادمين على فوات الأوان.

وحتى نصل لجزء بسيط من أهداف هذه الليلة التي رسمها لنا الشرع علينا جملة من الالتفاتات وأهمها أن نتخلص من الهموم الفارغة التي تشغل فكرنا بما هو أدنى، وليكن الإلتجاء إلى قدرة الله وحوله وأن لا حول لنا ولا قوة، ولا نتصور أن أعمالنا هي التي تنجينا.

وهي عطاء من رب العالمين تحتاج إلى الشكر والإستعانة به تعالى، وليكن حالنا حال الذهاب للأعمال مستحضرين أننا ذاهبون لكريم وهو الذي يتولى نوع وكيفية الضيافة التي تليق به لا بحالنا.

ونستشعر السلام الذي تتنزل به الملائكة لنكون مع صاحب الزمان الذي تتنزل عليه الملائكة، ولابد من تناسي المشاكل التي قد تحدث قبل الأعمال من بعض المنغصات سواء داخل الأسرة أو العلاقات المجتمعية.

ولكونها هي ليلة صاحب الزمان علينا أن نتمسك بعباءته ونتوسل به ونجعله أمام حوائجنا وأعظمها كيف نحلق بهذه الروح للمحب، ولنخاطبه يا مولاي خذ بيدي ودلني على طريق العروج في هذه الأمسية والتي لن نعلم حقيقتها إلا يوم القيامة، حين تنشر أعمالنا ونجد في صحائفنا النعيم الكثير والعطاء لهذه الليلة.

أليست هذه هي ليلة مباركة تتضاعف فيها الأعمال وهي التي فتح لنا الله مناجاته، كما أن علينا أن نستشعر وجود الملائكة التي تهبط إلى الأرض لترفع أعمالنا، وهي ليلة السلام على المؤمنين وفيها نستشعر رفع الألوية حين نرفع المصاحف على رؤوسنا.

كما يجب علينا أن نتذكر أنها ليلة عزيزة الرسول وشفيعة الذنوب، حتى في خفاء مضامينها وهي الزهراء عليه السلام، فلنستشفع بها ونجعلها وسيلتنا سلام الله عليها، ولنجعلها نصب أعيننا، أما ذكر عزيزها الحسين عليه السلام فله السبق الكبير، فهل يمكن أن تُحيى الليلة بدون زيارة الحسين عليه السلام.

وحتى نصل لبعض المقامات علينا أن نعيش العزلة والبكاء والتوبة النصوح والإلحاح على الله ولا باس جلسة مع النفس.

رزقنا الله وإياكم العشق ولذة المؤانسة.

زر الذهاب إلى الأعلى