العبادة الخاطئة
✍️ فؤاد الحمود
اعتاد أهل الجاهلية على عبادات ومارسوها معتقدين أنها توصلهم لله تعالى، ومن تلك العبادات المذمومة في القرآن المكاء والتصدية حول بيت الله الحرام.
فجاءت الشريعة المحمدية على لسان القرآن الكريم، وبينت هاتين العبادتين؛ وهما التصفير والتصفيق.
وقد بيّن فقهاء الإمامية – رحم الله الماضيين منهم وحفظ الباقين- مسألة مهمة في رسائلهم العملية؛ وهي: “يجب على المكلف أن يتعلم الأحكام التي يمكن أن يبتلي بها إلا إذا أحرز من نفسه عدم الابتلاء بها”، ومن جملة ما ذكر مسائل الشك والسهو.
وقد أفتى جملة من فقهائنا رضوان الله عليهم بين الحرمة والجواز المقيد ضيقاً وسعة في مسألة التصفيق داخل المجالس الحسينية، فذكر السيد السيستاني دام ظله بأنه يجوز، ولكن لا ينبغي أن يحل محل الصلوات والتكبير، أما السيد الحكيم قدس سره فيقول: في نفسه يجوز، لكن الأحوط وجوباً اجتناب ما يكون منه على غرار إيقاع موسيقي منظم، ولا ينبغي التصفيق في المساجد والحسينيات حفاظاً على حرمة هذه الأماكن وقداستها، وقد سئل الشيخ بشير النجفي حفظه الله؛ فأجاب: التصفيق وإن لم يحرم إلا أنه أمر غير رزن، وقد تسلل لنا من الغرب كغيره من العادات والتقاليد القبيحة.
وها نحن مقبلون على ليلة النصف من شعبان وهي من الليالي العظيمة، وهناك الكثير من الروايات في فضلها، وقد حرص النبي والأئمة عليهم السلام على إحيائها بالعبادة، كما أنها ليلة ميلاد الإمام الثاني عشر المهدي بن الحسن عجل الله تعالى فرجه،
وهي تعد عندنا أفضل ليلة بعد ليلة القدر، وجاءت الروايات المستفيضة بالحث على العبادة فيها، وأنها الليلة التي بإزاء ليلة القدر، جعلها الله لأهل بيت العصمة.
وهذه الليلة ليست عند الشيعة الإمامية فحسب؛ بل إن أهل السنة يحتفلون بها عبر الإحياء والصلوات والدعاء والإستغفار، واختلفوا في طريقة الأداء بين الاجتماع للإحياء، وكره البعض منهم العبادة الجماعية كابن نجيم وملا خسرو.
وعلى هذا كتب المصنفون منهم عن هذه الليلة، ككتاب فضل النصف من شعبان لمحمد بن إسماعيل الشافعي المتوفى سنة 906 للهجرة، وكذلك كتاب الإيضاح والبيان لما جاء في ليلة النصف من شعبان لابن حجر الهيثمي المتوفى سنة 579 للهجرة.
وقد ذكر المصنفون من علماء الشيعة جملة من الأعمال الخاصة بهذه الليلة العظيمة؛ كالغسل والصلاة والدعاء والاستغفار وزيارة الإمام الحسين عليه السلام وصلاة ركعتين بعد صلاة العشاء يقرأ في الأولى الفاتحة والكافرون وفي الثانية الفاتحة والإخلاص، ويعقب بعدها بتسبيح الزهراء عليها السلام ودعاء “يا من يلجأ إليه العباد” والسجود وأن يقول فيه يا رب(20) مرة ويا الله (7) مرات ولا حول ولا قوة إلا بالله (7) مرات وما شاء الله (10) مرات ولا قوة إلا بالله (10)، مرات ثم الصلاة على محمد وال محمد وطلب الحوائج، وقراءة دعاء كميل ودعاء “اللهم بحق ليلتنا هذه” والصلوات المروية عن الإمام زين العابدين عليه السلام وهي “اللهم صل على محمد وال محمد شجرة النبوة وموضع الرسالة…”
فيكثر الاحتفال في الأمصار الشيعية، ويقومون بطقوس دينية في المساجد والحسينيات والشوارع كمظهر للاحتفالات التي تتناسب مع عظمة هذه الليلة من توزيع الحلوى وادخال السرور على الأطفال خصوصا.
لذا ينبغي علينا الاهتمام البالغ وجعلها ليلة عبادة على الوجه الصحيح، وعدم التشبه بأهل الجاهلية عبر التصورات الخاطئة عن العبادة، والسعي الدائم بالتزود من المعارف الإلهية من مصادرها الموثقة، كفتاوى المراجع وعدم الاعتماد على العادات والتقاليد.
ولا بأس من تحويل هذه الليلة الى العبادة وجعل الليالي التي تسبق أو التي تلي ليلة النصف للاحتفال والاحتفاء إلا لمن لديهم أوقاف خاصه أو نذور باعتبار يجب الوفاء والعمل بها.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع ونبتهل إلى الله برفع الضراعات، وطلب تعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه، والذي يوافق ولادته الشريفة في فجر ذلك اليوم المبارك.