مقالات

التعامل مع المستفزين

رضي منصور العسيف

رأيت الإشارة الضوئية بدأت بالوميض باللون البرتقالي، فخففت السرعة وتوقفت، سمعت بوق سيارة (الهرن) تقف خلفي نظرت في مرايا الرؤية الخلفية …رأيت أحد الشباب بوجه مكفهر وهو يشير إليّ وكأنه يقول لماذا توقفت، كان عليك أن تسرع قليلا فهذه الثواني مسموح بها؟!
تحرك بسيارته ووقف بجانبي صار ينظر إليّ …
تشاغلت عنه …مركزا نظري للأمام … وسمعي لصوت البرنامج الإذاعي…
ما أن ظهر اللون الأخضر حتى بدأ مسلسل المشاغبات … صار يمشي امامي ببطء … يتجه أينما أتجه … حتى اشبع غروره وانطلق مسرعاً بعد أن أشار بيده إشارات تدل على (جاهليتة)…

لابد أنك قد واجهت شخصية مستفزة تهدف إلى إثارة أعصابك أو إثارة غضبك سواء بالقول أو بالفعل. وتعكر مزاجك، وربما تجعلك تتصرف تصرفات سلبية قد تندم عليها فيما بعد.
الشخصية المستفزة تجدها في كل مكان، في الشارع، في مقر العمل، وقد يكون أحد المقربين كالزوج أو الزوجة أو أحد الأقارب، لذا قد لا تستطيع أن تعمل حظراً نهائياً على أحدهم، فهم متواجدون بشكل طبيعي في حياتنا اليومية.
ورد أنه كان للإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) شاة تعجبه فوجدها يوما مكسورة الرجل. فقال للغلام: من كسر رجلها قال: أنا .
قال: لم؟
قال: لأغمنك.
قال الإمام الحسن عليه السلام: لأفرحنك أنت حر لوجه الله تبارك وتعالى (1).
إن المطلوب منا هو أن نتعامل مع هذه الفئة بطريقة إيجابية من خلال النقاط التالية:

لا للتصادم معهم
تجنب الانفعال واضبط نفسك، فلا ترد على كل كلمة، ولا تدخل معهم في جدال، فالتصادم والجدال يزيد من الاستفزاز، ذلك لأن شخصية المستفز ليست قائمة على احترام الطرف الآخر، ويشعر أنه الشخصية الصائبة، لذلك فهو يثير أعصابك بكلامه المستفز، وأفضل حل هو كما قال الإمام علي (عليه السلام): لا ترد على الناس كلما حدثوك، فكفى بذلك حمقا (2).

دبلوماسية التجاهل
قال تعالى :”وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا” سورة الفرقان (63)
نعم، استخدم معهم الطريقة الدبلوماسية أو التجاهل وذلك لتجنب الصدام مع الأشخاص المزعجين، فلا تمكن الآخرين من استفزازك، تجاهل تصرفاتهم المشينة وكأنّها لم تكن ولم يكونوا. وتجنب إظهار الانزعاج أو الغضب أو حتى الاهتمام. وعود نفسك على التجاهل فليس كل ما يقال يستحق الرد.
واعلم أن التجاهل هو حالة عقلانية كما عبر عنها الإمام علي (عليه السلام): لا حلم كالتغافل، لا عقل كالتجاهل (3).
يقول جورج برنارد شو: يستفزونك ليخرجوا أسوأ ما فيك ثم يقولون هذا أنت ..لا يا عزيزي، هذا ليس أنا، هذا ما تريده أنت…
لذا تجاهل المستفز وحافظ على شخصيتك.

احذر التسرع
المستفز يريد ردة فعلك السريعة، ينتظر منك كلمة، ينتظر منك حركة، إلا أن النصيحة الذهبية هي تفويت الفرصة بعدم التسرع في الرد، فكما يقول الإمام علي (عليه السلام): أنهاك عن التسرع بالقول والفعل. وفي وصيته لابنه الحسن (عليهما السلام) -: أخر الشر، فإنك إذا شئت تعجلته (4).

التفكر في العواقب
ماذا يحدث لو أنك تجادلت مع هذا المستفز؟
قد يتحول الاستفزاز اللفظي إلى معركة بالأيدي، لذا لابد من التفكير في العواقب، ليكن عقلك حاضراً في هذه المواقف كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): “استرشدوا العقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا”. ويقول الإمام علي (عليه السلام): كفاك من عقلك ما أوضح لك سبل غيك من رشدك (5). ويقول عليه السلام: طُولُ التَّفْكِيرِ يُصْلِحُ عَوَاقِبَ التَّدْبِيرِ (6).

الهوامش:
1 ) موسوعة كلمات الإمام الحسن (ع) – لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع) – الصفحة ٢٥١
2 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٦٩٥
3 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٢٨٨
4 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ١٨٣٤
5 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٠٣٨
6 ) غرر الحكم ودرر الكلم

تابع قناة برودكاست أبارق على التليقرام

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى