مقالات

يد زيد بن صوحان تسبق جسده إلى الجنة


حسين علي آل غزوي

أن الحديث عن الشخصيات العظيمة ليس بالأمر السهل سيما إذا كانت تلك الشخصية من عظماء الإسلام و ممن له صحبة و إخلاص لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) مثل  زيد بن صوحان العبدي  رضوان الله عليه، و لكن لابد للإنسان من شرف المحاولة بكتابة نزر يسير مما تأتى له لعل هذه المحاولة تكون من باب تسليط الضوء الخافت على تلك  الشخصية العملاقة.
زيد بن صوحان بن حجر بن الحارث بن عبد القيس الربعي العبدي، و يكنى بأبي سلمان الكوفي  و يقال أن سبب هذه الكنية لشدة محبته للصحابي الجليل سلمان المحمدي رضوان الله عليه، و يقال بأنه يكنى  بأبي عبدالله، و له أخوان من الشخصيات اللامعة في محبة أمير المؤمنين عليه السلام و هما سيحان و صعصعة.
نال ثناء و مدح  رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على ما تذكر مصادر المسلمين، بل أنه قد زف البشرى بدخوله الجنة عند الحديث عنه بقوله ( تسبقه يده إلى الجنة ثم يتبعه سائر جسده).
و قد ذكر هذه الحادثة أحد شعراء عبد القيس في قصيدة له فقال :
و كفى بزيد حين يذكر فعله
طوبى لذلك من صريع مكرم
ذلك الذي سبقت لطاعة ربه
منه اليمين إلى جنان الأنعم
فدعا النبي لهم هنالك دعوة
مقبولة بين المقام و زمزم.
و قد إختلف المؤرخين في أي المعارك قطعت يده اليسرى، فقد روى البعض بأن يد زيد قطعت في معركة نهاوند و نص بعضهم على أنها كانت في معركة جلولاء ، و قيل أن ذلك كان في معركة القادسية ، و لكن الخطيب البغدادي فقد أجمل قائلاً : قطعت يده في جهاده المشركين، و أضاف بعض المؤرخين بأنه كان في جيش عليه سلمان الفارسي، فكان يؤمهم زيد بن صوحان ( في الصلاة) يأمره بذلك سلمان.
و قد كان معروفاً عنه رضوان الله عليه صيامه في النهار و قيامه في الليل، حتى أنه وضع قواعد مسجد أمام داره في الكوفة كي يتعبد فيه و يتهجد و هو قريب من مسجد السهلة المعروف و مازال ذلك المسجد شاهداً للعيان بإسم مسجد زيد، و قد كان خطيبا عالماً بليغاً فقد عده الجاحظ مع إخوانه صعصة وسيحان من خطباء قيس المشهورين.
و عند النظر لفترة الخلافة في أيام الخليفة الأول و الثاني فأنها تدل على الإحترام والتقدير لزيد بن صوحان.
و لكنه إختلف الحال في خلافة عثمان بن عفان بعد وصول شكوى والي الكوفة سعيد بن العاص إليه على  القراء و هم مالك الأشتر و زيد و أخيه صعصة إبنا صوحان و عائذ بن حملة الطهوي و كميل بن زياد النخغي و جندب ابن زهير الأزدي و آخرون. فجاء الأمر بترحيلهم إلى الشام.
و بقي قراء الكوفة في الشام حتى آيس والي الشام معاوية بن أبي سفيان من تغير موقفهم، فكتب إلى الخليفة عثمان بن عفان في أمرهم، حتى جاء الأمر بتسيرهم إلى حمص، و أقام القراء فترة من الزمان في حمص قبل أن يعودوا إلى الكوفة، و بعد ذلك رحل  القراء إلى رحلات النقاش مع الخليفة عثمان بن عفان في  المدينة المنورة.
و بعد أن بويع أمير المؤمنين عليه السلام لخلافة المسلمين كان زيد بن صوحان أحد أولئك المبادرين للمبايعة، و لكن سرعان ما تحرك موكب أصحاب الجمل من المدينة المنورة و مكة المكرمة إلى البصرة و كان من جملة المخططات بعث الرسائل إلى وجوه المسلمين للتحشيد و الإستمالة و المنع من نصرة أمير المؤمنين عليه السلام، و بالطبع فأن زيد بن صوحان كان من جملة وجوه المسلمين الذين بعثت لهم تلك الرسائل، فكان جوابه رضوان الله عليه واضحاً و صريحاً بإتباع الحق بنصرة إمامه أمير المؤمنين عليه السلام.
ثم كان جوابه الأوضح حين قدوم الإمام الحسن عليه السلام و عمار بن ياسر رضوان الله عليه إلى الكوفة لإستنفار أهلها لنصرة أمير المؤمنين عليه السلام، هنالك وثب زيد بن صوحان رضوان الله عليه مع أصحابه قائلاً : من لم يطع أمير المؤمنين علي بن ابي طالب فما له عندنا إلا السيف.
و بعد سار زيد بن صوحان مع عشيرته و أصحابه لنصرة أمير المؤمنين عليه السلام في معركة الجمل، و عند تنظيم الإمام علي عليه السلام الكتائب للإستعداد للحرب جعل على خيل قبيلة عبد القيس زيد بن صوحان العبدي، و برز زيد إلى القوم و كالأسد حتى قتل شهيداً في نصرة الحق، عندها أطلق أمير المؤمنين عليه السلام تلك العبارة الخالدة مؤبناً أياه : ( يرحمك الله يا زيد فقد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة) فالسلام عليه يوم ولد و يوم إستشهد و يوم يبعث حيا.

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى