هلَّ المحرمُ فانتصرنا
فؤاد الحمود
منذ أن برأ الله الخلق على هذه الأرض أصبح فيها عنصران من أبناء آدم، يمثلان الدور المتصارع بين الحق والباطل، والذي كان يمثله قابيل وهابيل، وما زالت تلك الحالة إلى عصرنا الحاضر.
فكلمة الإمام الحسين عليه السلام المدوّية في مكة المكرمة من خلال خطبته التي ألقاها حين وصله مخطط قتله ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة، وحفاظاً منه على قداسة المسجد الحرام، الذي حرّم الله فيه قتل الصيد، فضلاً عن البشر.
فصدع على الصفا منادياً بعد التحشيد وبيان المصير الحتمي له ولمن سيكون في ركبه المبارك بقوله: “من لحق بنا استشهد، ومن لم يلحق لم يدرك الفتح”، هي رسالة واضحة أن الشهادة هي طريقه، وما سيلاقيه على أرض كربلاء، وأن النصر العسكري لن يكون حليفاً له عليه السلام، وإنما حليفه الفتح السماوي، والنصر الإلهي.
فهل يا ترى هذه الكلمات كانت موجهة لمن كان معه على عرصات الصفا، أو في مكة، أو من لقيهم وهو في طريقه لكربلاء، أم هي شاملة جميع الأزمنة والعصور، فنكون نحن ممن شملهم النداء المدوي من الإمام الحسين عليه السلام؟
مما لا ريب فيه أن كلام المعصوم سارٍ إلى كل من يصله، وفي كل عصر وأوان، خصوصاً إذا ما علمنا أن صراع الخير والشر لن يتوقف لحظة، حتى يقيم مولانا الحجة بن الحسن عجل الله فرجه وعد الله الذي ضمنه لعباده “وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ”
وحيث من المعلوم أن معركة كربلاء من حيث تكوينها العسكري لم تدم إلا نهار يوم العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة، ورغم أن الحصار بدأ من اليوم السادس على الإمام الحسين والعترة والصحب الأنجاب، ومنعوا حتى التزود من الماء؛ لكن الوعد تحقق من قول الإمام الحسين عليه السلام بأن الفتح حليفنا بل حتى النصر لأهدافه التي أعلن عنها من الوهلة الأولى وهي “أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر”، وقد أوضح ذلك جلياً كل من الإمام السجاد وشريكته في المصاب زينب عليهما السلام.
فحين سُئل الإمام السجاد عن النصر فأجاب انتظر المؤذن فإذا سمعت “أشهد أن محمد رسول الله ” تعلم حقيقة النصر.
ولأن خطة الحاكم آن ذاك واضحة ليخلو له أمر الخلافة بل جعل الخلافة وراثة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله عبر الحديث الذي أورده الحفاظ “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تكون ملكاً عاضاً ….” وهذا من الأحاديث التي لا ينكرها أحد.
وقد كانت أهداف الخليفة المتصدي واضحة عندما استشهد بالأبيات المشهورة (وهي شعار للدولة):
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل
فما كان هدفه الاّ الحكم والسلطان والتسلط على رقاب المسلمين بالجور والظلم والاستعباد..
لكنّ عقيلة الطالبيين عليها السلام ورغم الأسر والسبي انبرت له بكل تحدٍ وصمود وبسالة منقطع النظير على خطى أمها الزهراء عليها السلام حين دافعت عن الإمامة وببيان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام، فبعد حمدها لله والصلاة على جدها رسول الله صلى الله عليه وآله
شرعت بخطبتها قائلة: ” أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هواناً وبك علينا كرامة… مهلاً مهلاً…” ثم استدركت في خطبتها الطويلة ببيان حاله ووجهت له سهامها التي اصابته في مقتل متحدية بقولها: “فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا… وهل أيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد…”
وما زالت ألوان الظلام وقوى الشر تصارع شموس الخير وأرباب الفضيلة بأساليب مختلفة، وأدوات متنوعة في القرون المتعاقبة حتى أيام الله هذه التي تحارب فيها شعائر الحسين عليه السلام. تلك الشعائر المقدسة التي حافظت على ثورته المباركة، وأكدت نداء الحسين حتى قيام الساعة “من لحق بنا أدرك الفتح”؛ فالدفاع عن مبادئه عليه السلام هو امتداد لتلك الصرخة المدوية، وإن اختلفت الأساليب والطرق،
ولكن النصر هو النصر والبقاء هو البقاء لما سعت له ثورة الحسين عليه السلام، لذا فلن تمحى مجالس ومواكب الحسين في أي عصر وهي التي أصّل وقعّد لها رسول الله صلى الله عليه وآله، مهما حاول البعض.
وقد فعل ذلك في أزمنة مختلفة، لكن وهج ونور أهل البيت صلوات الله عليهم باق إلى يوم القيامة، وكل من يحاول ذلك سيكون مصيره إلى مزبلة التاريخ، والخزي والعار في الدنيا والآخرة، وسيكون علو الشأن لمن وقف وانتصر للإمام الحسين وأهدافه.
وسيظل شعار موالي الحسين عليه السلام: “اَللّـهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ”