ظاهرة تفشي حالة الطلاق في المجتمع القطيفي (١)
زكريا أبو سرير
عُرف المجتمع القطيفي بلحمته الأسرية والاجتماعية، وعلاقاته الحميمية مع بعضهم بعضًا، وتعامله الحسن مع الآخر، وكان يُضرب به المثل في كثير من الجوانب الإنسانية والدينية والأخلاقية والاجتماعية، إذ إن أبناء هذا المجتمع يتسمون بسمات إنسانية رائعة جدًّا، أصبغتهم بنوع من الأخلاق الإنسانية الرفيعة والمتميزة، وكأنها أول معرِّف لهم بهويتهم الإنسانية والوطنية أمام الآخر.
وهذا ما كشفه كل من اقترب منهم وتعامل معهم، فقد رأى فيهم قممًا في التعامل الأخلاقي والإنساني والثقافي، بغض النظر عن هوية أو خلفية هذا الآخر، وهذا ليس وصفًا تقديسيًّا لهم من دون حق، بل هو شهادة أقر بها غالب من عاشرهم من دون الطلب منهم، غير أن تعاملهم أجبر الآخر لقول ذلك القول الحسن، ولا أدعي أنه مجتمع ملائكي لا يخطئون، ولكن السواد العظم منهم يحملون هذه سمات الإنسانية.
ومجتمع القطيف يتحلى بثقافة السلم الاجتماعي، وهي ماركة إنسانية ملتصقة بهم، وهذا ما لمسه الجميع منهم، ومن دون أي مبالغة في هذا الوصف، وهو ناتج من ثقافة دينية راسخة في وجدانهم، تفرع منها عدة ثقافات إنسانية زادت من رصيد هذا الطيف الوطني، لكي يكون هو الطابع الإنساني المتلازم معهم أين ما حلوا.
مع ذلك، ظهرت في الآونة الأخيرة ثقافات غريبة وعديدة دخيلة على المجتمع القطيفي المحافظ والذي لا أنزهه عن الخطأ، أو ربما أعبر عنه بسوء تفاعل بعضهم مع هذه المتغيرات الحديثة، وهي شكلت خيبة أمل لدى الكثير من القطيفيين. كان الرهان أمام هذه التحديات الصعبة هو صلب ثقافة المجتمع نحو هذه التغيرات التي نعيشها.
الثقافة السادة عند أبناء هذا المجتمع، كان متوقعًا أن تكون قادرة على صد ومواجهة المتغيرات الثقافية، ومن ثَمَّ توظيفها في الاتجاه الصحيح، وهذا ما كان يظنه الجميع، بسبب العصف الثقافي الانفتاحي السابق الذي مر عليه، حيث شكَّل عنده مخزونًا في كيفية التعامل مع مثل هذه التغيرات، وبهذا المخزون كنا نتوقع منه تنقية وفرز الأفكار المستحدثة وأخذ ما ينبغي أخذه بما ينفع فكره ويطوره، ويوسِّع من مداركه العقلية والاستفادة منه، وصبه في المنفعة الشخصية والاجتماعية والوطنية.
عندما تنظر في وسط هذا المجتمع المحافظ والمتدين والمثقف بتنوع ثقافاته، فهو يتسم بثقافات مختلفة وعديدة كانت قادرة على التعايش مع بعضها بعضًا بسلم ومحبة ومودة وألفة. فجأة واجه هذا المجتمع عاصفة من المظاهر الاجتماعية الحديثة محاولة منها تفكيكه وفصل روحه عن جسده.
عندما نرى هذا المجتمع المتماسك اجتماعيًا وقد تميز بثقافاته المتنوعة بين أطياف عديدة في وطنه، وإذا به يكون بين ظاهرة التفكك الأسري الاجتماعي، عبر تهاون بعض أفراده في مسألة التساهل بعملية الطلاق الحاصلة بين الأزواج سواء أكانوا حديثي العهد أم ممن قد شاب عليه الزمن وأصبحوا أجدادًا، ويحدث مثل هذا الأمر المستغرب منه نتيجة أسباب وبعض المؤثرات في أنماط الحياة العصرية، ما يكون غالب ضحاياه هم أفراد الأسرة، ذلك أن أول ما يمزِّق هذا العمل البغيض والدخيل على مجتمعنا هو الكيان الأسري، الذي هو محل اعتزاز وفخر كل فرد من أبناء المجتمع.
وذكرت بعض الصحف المحلية، أن هناك حالات متزايدة أمام المحاكم في القطيف متعلقة بمسألة الطلاق، سواء أكان طرف هذا الطلاق الأزواج، أم بطلب من الزوجة (الخلع)، وصرح أحد المحامين في هذه الصحيفة بأن مثل هذه الحالات في المجتمع القطيفي تكثر برغم تقدم بعضهم في السن فضلًا عن حديثي الزواج، ويذكر أن مثل هذه القضايا أصبح غيضًا من فيض تملأ المحاكم، وهذا حسب وصفه بما يشاهده ويلمسه في هذا النوع من القضايا الذي تمر عليه، بل أصبحت هذه القضايا في المحاكم تحتل القطيف المركز الأول.
في ظل هذه الظاهرة هل يقبل المجتمع القطيفي أن يغض الطرف عنها وهم أصحاب فزعات إنسانية واجتماعية؟ أو ينبغي عليهم بحثها بحثًا دقيقًا، بل الواجب دراستها والتعمق في أغوار أحداثها والوقوف بحزم أمام أي حدث قد يسبب شرخًا لهذا الكيان الأسرى المجتمعي ووقف هذا النزيف المتدفق من هذا الجرح العميق.
الحمد لله مجتمعنا يتمتع بكفاءات اختصاصية عالية في هذا المجال، وكما عودنا هذا المجتمع الزاهر بثقافته التطوعية الجسدية والفكرية والمالية،، فهو كذلك لن يبخل عن أبنائه في هذا المأزق في المشاركة في الانضمام مع الفرق البحثية لإيجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة الاجتماعية التي حلت على المجتمع الذي يسوده الطيب والمودة والمحبة.