مقالات

عفاف … الأخيرة


رضي منصور العسيف

11
فتحت الباب،
ابتسم وقال: أهكذا تتركين أخاك خارجا …لقد تجمدت من البرد …
اغرورقت عيناي …احتضنته قائلة ليس معقول ما أراه… أهلا بك أخي العزيز …وصرختُ: امي ابي …لقد عاد …لقد عاد أخي …عاد أحمد
جاء والداي مسرعين واحتضنا أخي ودموع الفرح على خديهما، ولدي حبيبي، عودتك يا حبيبي هي بمثابة عودة الروح للجسد بعد انفصالها عنه…
قبّل أخي رأس والداي ودموعه على خديه …أهلا بكما، لقد اشتقت إليكم.
قالت أمي: يكفي سفراً، أين هو جواز سفرك؟ سوف أعمل لك حضر السفر..
ضحكنا…
ثم قالت أمي: أين هي زوجتك؟!
أجابها أحمد: تركتها في الشقة مع حفيدك، هل نسيت حفيدك؟!
ضحك أبي وقال: اعذرها يا ولدي، لقد بدأت تنسى…
ضحك أحمد وقال: لا تزال ذاكرة أمي قوية، أعرفها جيداً، لكن المفاجأة أنستها كل شيء.
قال أبي: هل انتهيت من دراستك؟
قال أحمد: نعم يا أبي لقد حصلت على درجة استشاري أمراض الدم، وهناك أبحاث طبية هي بارقة أمل لمرضى فقر الدم المنجلي.
قالت أمي ما هذه الزيارة المفاجئة يا ولدي؟!
أجابها أحمد وهل تتوقعين مني أن أفوت حضور حفل زفاف أختي الغالية …
قلت: لقد غزاك الشيب يا أخي….
ضحك أحمد وقال: مجرد شعر أبيض، على فكرة متى يأتي زوجك علي أريد أن أتحدث معه…
قلت عن ماذا تريد أن تتحدث معه؟!
قال أحمد ضاحكا هذه أحاديث رجال..
ضحكت وقلت: غدا سوف يتناول وجبة الغذاء معنا.
قالت أمي: نعم غداً، أحضر معك زوجتك وحفيدي، إني متلهفة لرؤيتهما..
**
في اليوم الثاني جاءت حوراء..
سألتني كيف هي استعدادتك لحفل الزواج لم يبقى سوى أسبوع.
قلت ها نحن نسابق الزمن، آمل أن انتهي من جميع التجهيزات، عليك أن تأخذي اجازة لتساعديني.
قالت: هذه بسيطة، الأمر صار بيدي.
سألتها كيف ذلك؟!
أجابتني لقد أصبحتُ رئيسة القسم ولقد عادت إلينا مريم..
سألتها ما هذه التغيرات؟
قالت إن فوزية في إجازة مرضية ربما هي حامل ولذلك أمور العمل تسير بأحلى ما يكون…
قلت الحمد لله..
في هذه الأثناء وصلتني رسالة على الواتساب من أم حسن، تنص على أن حسن أدخل للعناية المركزة بسبب التهاب رئوي حاد…
تغيرت ملامح وجهي…يا إلهي أتمنى أن لا تكون حالته خطرة …
اتصلت على أخي أحمد وأخبرته بحالة حسن…
أجابني سأذهب للمستشفى لأرى الحالة…
دعوت الله أن يشفي حسن من هذه الأزمة…
**
في المساء ذهبت مع علي لزيارة حسن، تقابلت مع أم حسن سألتها عن حالته فقالت: لا يزال في العناية المركزة، يعاني من صعوبة في التنفس…
جاء أخي، سألته كيف هي صحة حسن؟
فقال الحمد لله لقد تجاوز الأزمة، يمكنك زيارته ولكن بهدوء.
ذهبت مع أم حسن، كانت مضطربة، وقفنا عند سريره،
لا تزال أم حسن تذرف دموعها…
قلت لها: لا تقلقي …لقد أخبرنا أخي أن حالته في تحسن …
قالت مندهشة: هل هذا الدكتور هو أخوك؟!
أجبتها: نعم، للتو عاد من السفر وحصل على درجة استشاري أمراض الدم. ولديه أبحاث طبية حديثة، وسوف يناقش أحد العلاجات الحديثة التي تعد بارقة أمل لهؤلاء المرضى.
كفكفت أم حسن دموعها وقالت: الحمد لله لقد أطمأننت..
في هذه الأثناء فتح حسن عينيه، نظر إلينا وقال: لقد هزمني المرض مرة أخرى.
ابتسمت وقلت له: هيا تشجع، عليك أن تكون قوياً لتقهر المرض مرة أخرى وتحضر حفل زواجي… لم يتبقى سوى أسبوع.
قالت أم حسن: الحمد لله على سلامتك يا ولدي، قل لها أنك ستحضر حفل الزواج.
نظر إليّ حسن وقال: أعدك بذلك، سيكون حفلا بهيجاً …
أغرورقت عيناي من هذه الكلمات البريئة…


ها هي الليلة المرتقبة..
شموع الفرح أضاءت كُل ما بداخلي في هذه الليلة المُباركة،
غيوم الفرح تُحلق في سمائي هذه الليلة، تُمطرُ بهجةً وسرورا، تُمطرُ غيثاً يروي قلبي،
سأبدأ مرحلة جيدة في حياتي..
أشعر بموجة كبيرة من المشاعر التي يصعب تدوينها على الورق…
نظرت حولي رأيت الفرح والسرور يعم أرجاء القاعة،
أمي العزيزة وجميع نساء العائلة.
حوراء وعائلتها…
أم حسن والأستاذة زهراء
بل حتى طالباتي في المعهد حضرن وبيد كل واحدة منهن باقة من الورد الجميل..
كانت القاعة شعلة من الفرح …
صرت أنظر يمنة ويسرى، وكنت أرى الفرح والسرور في وجوه جميع الحضور …
تقدمت نحوي أم حسن وهي تحمل وردة بيضاء…
قالت: هذه الوردة من ابني حسن ويتمنى لك حياة سعيدة
دمعت عيناي فرحاً وقلت هي بيضاء كبياض ونقاء وطهارة قلبه، سيأتي يوم وسنفرح به…


12

وتمر الأيام والشهور وهاهي آثار الحمل قد بدأت …
وبدأت معها زيارات المتابعة الشهرية، في كل شهر أدخل في مرحلة جديدة… صرت أشعر بحركة الجنين، كأنه يخاطبني …كنت أشعر بالسعادة لكل حركة أشعر بها …
اقترب موعد الولادة، لم يبقى سوى أسبوعين..
في أحد الأيام اتصلت بي حوراء وقالت: هل لديك مجال للذهاب معي لمكان ما…
أجبتها: إلى أين الذهاب؟ هل سنذهب لشراء ملابس الضيف الجديد؟!
قالت: عندما ألتقي بك أخبرك…
جاءت حوراء، رأيت في وجهها أثار الحزن … قلت لها: هل حدث لك مكروه في العمل؟! هل عادت فوزية مرة أخرى بتهديدها …
وما إن سمعت حوراء اسم فوزية حتى انفجرت بالبكاء …
شهقت وقلت: ما بها فوزية؟! أخبريني. لماذا هذا البكاء؟!
قالت: فوزية مصابة بالمرض الخبيث وهي في العناية المركزة، لا تستجيب للعلاج …
ابتلعت ريقي وقلت: فوزية … المرض الخبيث، منذ متى؟!
قالت: لا أعلم ولكنها …
لم تستطع حوراء إكمال حديثها…
قلت: هيا بنا لنذهب لزيارتها، هيا…
ذهبنا للمستشفى، اتجهنا ناحية العناية المركزة، اتصلت على أخي أحمد، وأخبرته بموضوع فوزية،
دخل العناية، وعاد بعد ربع ساعة وهو منكس الرأس … بكت حوراء بشدة وقالت: آه يا فوزية … لماذا… قلت لها: انتظري … لنسمع ما يقول أحمد.
سألت أحمد: ما هي أخبارها؟!
قال: صعبة جداً …
قلت: هل يمكن أن نزورها لدقائق..
أجابني: نعم دقائق فقط، الوضع حرج…
دخلت مع حوراء،
لا تزال حوراء تبكي…
وقفتُ عند سرير فوزية، أهذه فوزية؟! أين ذلك الشموخ؟!
لم أتمالك نفسي حتى أجهشت بالبكاء،
جاءت الممرضة وقالت: يكفي بكاء…
قلتُ لها دعيني لحظة من فضلك..
اقتربت من فوزية بدأت أهمس في أذنها … فوزية… فوزية … أتسمعيني…
كانت حوراء تنظر إلي،
همست في أذن فوزية مرة أخرى… عزيزتي فوزية… عهدتك قوية، لا تسمح للمرض أن يقهرك.. أنت قوية، عظيمة، هكذا عرفتك …
فتحت فوزية عينيها…
نظرت إليّ…
كنت أنظر إليها وعيني لا تتوقف عن الدموع …
دمعت عيناها … مسحت بيدي على رأسها … ثم أمسكت يدها… حاولت أن تضغط على يدي.. قلت لها: نعم هكذا أنت قوية …
نظرت لدموعها …
اقتربت وهمست في أذنها: لقد سامحتك … صدقيني لقد سامحتك …
كانت حوراء تتأمل هذا الحوار الصامت … وترى دموعنا …
ابتعدتُ عن فوزية وقلت: لن أنساك من الدعاء…
أردت الخروج ولكن وجدت شخص يقف أمامي … نظرت إليه ودموعي على خدي،
نظرت إليه وجدت دموعه تجري على لحيته التي تحولت إلى البياض…
قال بصوت حزين: لقد ظلمانك يا عفاف وأرجو أن تسامحينا… أرجوك سامحي فوزية … سامحيها….
لم أستطع الكلام … بل زاد بكائي … وقلت بصوت مختلط بالبكاء: لقد سامحتها…
خرجنا من المستشفى …لم أستطع الحديث مع حوراء … وصلت شقتي ونظرت لحوراء وقلت لها: لا تتركي فوزية … اطمئني عليها وأخبريني بكل جديد…
قالت حوراء بعين دامعة: هل ستعيش فو..ز ..ية..
لم أستطع الإجابة…
بعد 3 أيام جاءت حوراء وقالت: عفاف … فوزية … فوزية …
أجبتها: ما بها … هل ما…ت ت
قالت: لا بل استجابت للعلاج … وسيتم نقلها للرياض لإكمال العلاج … ماذا عملت لها أيتها المباركة؟!
دمعت عيناي فرحاً وقلت: الحمد لله …
بعد أيام جاءت حوراء وقالت إن المدير يدعوك للعودة للعمل معنا
نظرت لبطني وقلت لها: بعد أيام سأستلم أرقي وظيفة … شكراً لكم


وجاء اليوم الموعود …
ها هي آلام الولادة تقرع الجرس …
قلت لـ علي: هيا خذني للمستشفى بأسرع وقت …
وبعد ساعات من المخاض ….
سمعت الصوت الملائكي ….
دمعت عيناي …. عند رؤيتها …
جاء علي وقال: الحمد لله على السلامة … أين هي صغيرتنا؟
أجبته: في الحضانة.. إذهب إليها هي تنتظرك …
عاد علي مبتهجاً وقال: هي عفاف الصغيرة..
قلت الحمد لله …
في المساء جاء والداي ووحوراء ووالديها
قالت أمي: يا لها من جميلة تشبهك تماما …
قالت حوراء بل تشبه أخي علي
ضحكنا جميعاً
قالت حوراء: ماذا ستسميها ….
نظرت لهم وقلت: هي أمل …

أنتهت

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى