أترك أثرا ً قبل الغياب والرحيل 2
أحمد بن مكي الجصاص
المحور الثاني : سُوء الخُلق يُشين المرء :
عن أنس قال : كنت مع النبي (ص) ، وعليه برد غليظ الحاشية ، فجذبه اعرابي بردائه جذبة شديدة ، حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه ، ثم قال : يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك ، فإنك لا تحمل لي من مالك ، ولا مال أبيك ، فسكت النبي (ص) ثم قال : المال مال الله ، وأنا عبده . ثم قال : ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي ؟ ! قال : لا . قال : لم ؟ قال : لأنك لا تكافىء بالسيئة السيئة ، فضحك النبي ، ثم أم أن يحمل له على بعير شعيراً وعلى الآخر تمراً (١) .
فسوء الخلق وهو إنحراف نفساني ، يسبب إنقباض الإنسان وغلظته وشراسته ، وهو نقيض حسن الخلق ، فمن الثابت أن لسوء الخلق أثارا ً سيئة ، ونتائج خطيرة ، في تشويه المتصف به ، ويحط كرامته ، مما يجعله عرضة للمقت والازدراء بين الآخرين ونفرتهم منه ، وربما تفاقمت أعراضه ومضاعفاته ، فيكون حينذاك سبباً لمختلف المآسي والأزمات الجسمية والنفسية المادية والروحية .
وحسبك في خسة هذا الخلق وسوء آثاره ، إن الله تعالى خاطب سيد رسله ، وخاتم انبيائه (ص) ، وهو المثل الاعلى في جميع الفضائل والمكرمات قائلاً : «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» .
من أجل ذلك فقد تساند العقل والنقل على ذمه والتحذير منه ، وإليك طرفا من ذلك : قال النبي (ص) : «عليكم بحسن الخلق ، فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة ، وإياكم وسوء الخلق ، فإن سوء الخلق في النار لا محالة» (٢) .
وقال الصادق (ع) : «إن شئت أن تكرم فلن ، وإن شئت أن تهان فاخشن» (٣)، وعن النبي (ص) : «أبى الله لصاحب الخلق السيئ بالتوبة ، قيل : فكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه» (٤) ، ورد عن الصادق (ع) : «أن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» (٥) ، وقال (ع) : «من ساء خلقه عذب نفسه» (٦) .
الأخلاق بين الإستقامة والإنحراف :-
كما تمرض الاجساد وتعتورها أعراض المرض من شحوب وهزال وضعف ، كذلك تمرض الأخلاق ، وتبدو عليها سمات الاعتلال ومضاعفاته ، في صور من الهزال الخلقي ، والإنهيار النفسي ، على إختلاف في أبعاد المرض ودرجات أعراضه الطارئة على الأجسام والأخلاق .
وكما تعالج الأجسام المريضة ، وتسترد صحتها ونشاطها ، كذلك تعالج الأخلاق المريضة ، وتستأنف اعتدالها واستقامتها ، متفاوتة في ذلك حسب اعراضها ، وطباع ذويها ، كالأجسام سواء بسواء .
ولو لم بإمكان معالجة الأخلاق وتقويمها وتطويرها ، لحبطت جهود الانبياء في تهذيب الناس ، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح ، وغدا البشر من جراء ذلك كالحيوان وأخس قيمة ، وأسوأ حالاً منه ، حيث أمكن ترويضه ، وتطوير أخلاقه ، فالفرس الجموح يغدو بالترويض سلس المقاد ، والبهائم الوحشية تعود داجنة أليفة .
فكيف لا يجدي ذلك في تهذيب الانسان ، وتقويم أخلاقه وتطويرها ، وهو أشرف الخلق ، وأسماهم كفاءة وعقلاً .
من أجل ذلك فقد تمرض أخلاق الوادع الخلوق ، ويغدو عبوساً شرساً منحرفاً عن مثاليته الخلقية ، لحدوث احدى الاسباب التالية :
١- الوهن والضعف الناجمان عن مرض الإنسان وإعتلال صحته ، أو أعراض الكبر والشيخوخة عليه ، مما يجعله مرهف الأعصاب عاجزاً عن التصبر .
٢- الهموم : فإنها تذهل اللبيب الخلوق ، وتحرفه عن أخلاقه الكريمة ، وطبعه الوادع الحسن .
٣-الفقر : فإنه قد يسبب تجهم الفقير وغلظته ، انفةً من هوان الفقر والم الحرمان ، أو حزنا على زوال نعمته ، وفقد غناه .
٤- الغنى : فكثيراً كما يجمح بصاحبه نحو الزهو والتيه والكبر والطغيان ، كما قال امير المؤمنين علي (ع) :
أحبك قومك حين صرت للغنى وكل غني في العيون جليل
٥-المنصب فقد يحدث تنمراً في الخلق ، وتطاولا على الناس ، منبعثا عن ضعة النفس وضعفها ، أو لؤم الطبع وخسته .
٦-العزلة والانطواء وعدم مخالطة الناس : فإنه قد يسبب شعوراً بالخيبة والهوان ، مما يجعل المعزول عبوساً متجهماً .
علاج سوء الخلق :
وحيث كان سوء الخلق من أسوأ الخصال وأخس الصفات ، فجدير بمن يرغب في تهذيب نفسه ، وتطهير أخلاقه ، من هذا الخلق الذميم ، أن يتبع النصائح التالية :
١- أن يتذكر مساوئ سوء الخلق أضراره ، وأنه باعث على سخط الله تعالى ، وازدراء الناس ونفرتهم .
٢- أن يتذكر من فضائل حُسن الخلق ، ومآثره الجليلة ، وما ورد في مدحه ، والحث عليه ، من آثار اهل البيت (ع) .
٣- التريض على ضبط الاعصاب ، وقمع نزوات الخلق السيئ وبوادره ، وذلك بالتريث في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل ، مستهديا بقول الرسول الاعظم (ص) : «أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه» .
أما من ساء خلقه بأسباب مرضية جسمية ، فعلاجه بالوسائل الطبية ، وتقوية الصحة العامة ، وتوفير دواعي الراحة والطمأنية ، وهدوء الاعصاب .
———————-
📚 المصادر :
١-منازل الآخرة والمطالب الفاخرة – الشيخ عباس القمي ، ص ٢٠٦
(٢) عيون اخبار الرضا للشيخ الصدوق (ره) .
(٣) تحف العقول .
(٤) ،(٥) ، (٦) عن الكافي .