الإمام علي الهادي (ع)… الشخصية الوقورة
رضي منصور العسيف
هل تساءلت في يوم من الأيام عن السبب الذي يجعل بعض الناس يحظون باهتمام واحترام عندما يتحدثون، فيما لا يحظى آخرون بذلك؟ السر الذي يكمن وراء نجاح هؤلاء الأشخاص يمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي: الوقار.
نعم إن الوقار والرزانة والسمت الحسن من الصفات النبيلة التي ينبغي أن يتميز بها الإنسان المؤمن.
روي عن الرسول الأكرم (ص): “ليس البر في حسن اللباس والزي، ولكن البر في السكينة والوقار” (1). فالوقار يتجلى في جميع سلوكيات الإنسان، كلامه، نظراته، مشيه، ولهذا يقول تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} لقمان آية ٩ وفي آية أخرى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} الفرقان آية ٦٣، فهم يمشون بوقار وسكينة.
ويمثل أهل البيت عليهم السلام خير قدوة في تجسيد مكارم الأخلاق، وهذا ما نجده جليًا في الزيارة الجامعة الواردة عن الإمام الهادي (عليه السلام): “كَلامُكُمْ نُورٌ، وَاَمْرُكُمْ رُشْدٌ، وَوَصِيَّتُكُمُ التَّقْوى، وَفِعْلُكُمُ الْخَيْرُ، وَعادَتُكُمُ الاْحْسانُ، وَسَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ، وَشَأنُكُمُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ، وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَحَتْمٌ، وَرَأيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَحَزْمٌ، إِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ اَوَّلَهُ وَاَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَمَعْدِنَهُ وَمَأواهُ وَمُنْتَهاهُ..”(2).
وما أحوجنا لأن نقتبس من سيرة الإمام الهادي (عليه السلام) هذه الصفة العظيمة، فهو قمة السكينة، والوقار، ويصفه ابن شهر آشوب: “كان أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمَت، عَلتْه هيبة الوقار، وإذا تكلّم سماه البهاء..”(3).
عدوى الوقار
ولقد وجد أن الوقار يفرض نفسه على محيطه، فلو أن شخصًا وقورًا دخل مجلسًا، فإن وقاره يسري في الحاضرين فيصبح المجلس كله وقورًا.
فقد روى أبو هاشم الجعفريّ: “أنّ بعض الناس كانوا في مجلس بانتظار قدوم الإمام الهادي، فقالوا: لِمَ نترجّل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا، ولا بأكبرنا ولا بأسنّنا ولا بأعلمنا؟ والله لا ترجّلنا له، فقال أبو هاشم: والله لتترجّلنّ له صغرة إذا رأيتموه، فما هو إلا أن أقبل وبصروا به حتّى ترّجل الناس كلهم.
فقال لهم أبو هاشم: أليس زعمتم أنّكم لا تترجّلون له؟ فقالوا له: والله ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجّلنا”(4).
إنه الوقار الذي يفرض نفسه، ويأسر الناس، فيجعلهم يجلون ويعظمون تلك الشخصية.
تأثير الوقار
إن لهذه الصفة سحرها على الآخرين، ومن يمتلكها فإنه يؤثر في الآخرين، ورب كلمة تنقل الإنسان من الضلال إلى الهدى، وهذا ما نجده في سيرة الإمام الهادي (عليه السلام) فقد التقى الإمام الهادي (ع) بأبي الحسن البصري المعروف بالملاح، وكان واقفياً يقتصر على إمامة الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام ولا يعترف بإمامة أبنائه الطاهرين، فقال له: “إلى متى هذه النومة؟ أما آن لك أن تنتبه منها؟!” وأثّرت هذه الكلمة في نفسه فآب إلى الحقّ، والرشاد”(5).
لكي تكتسب الوقار
لكي تكسب الوقار عليك أن تجاهد نفسك، وتربيها تربية الإيمان الذي يتدفق في سلوكياتك، وتقتلع من ذاتك صفات الكبر، والطيش والحماقة، وغيرها… وأفضل طرق اكتساب الوقار هي أن تعيش مع الله في كل لحظاتك، وتصبغ نفسك بالصبغة الربانية، فتكون لك خلوات ربانية، تناجي فيها ربك، وهذا ما نلاحظه في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد كان الإمام الهادي عليه السلام يناجي الله تعالى في غلس الليل البهيم بقلب خاشع، ونفس آمنة مطمئنّة.
وكان ممّا يقول في مناجاته: “إلهي مسيء قد ورد، وفقير قد قصد، فلا تخيّب مسعاه وارحمه واغفر له خطاه”(6).
فكن وقوراً… تعش مطمئناً سعيداً.
ملاحطة:المقال من كتاب عناصر الأبرار… دروس إيجابية من سيرة أهل البيت عليهم السلام… لـ رضي منصور العسيف
الهوامش:
1 / ميزان الحكمة
2/ مفاتيح الجنان
3/ أعلام الهداية، الإمام علي بن محمد الهادي ص 22
4/ ابن شهر آشوب، محمد بن علي، ج 3 ص511
5/ أعلام الهداية، الإمام علي بن محمد الهادي ص 30
6/ أعلام الهداية، الإمام علي بن محمد الهادي ص 233
احسنت ابامحمد والوقار هيبه وهي صفه من صفات اهل العلم والتقوى.