كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسين آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي جعل الطاعة ثمرتها الجنة وجعل المعصية عاقبتها النار والصلاة والسلام على الداعي الى الجنة والمنجي من النار المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين
(الجنة والنار الشغل الاكبر)
قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب (؏)(شُغِل من الجنة والنار امامه)
الشغل بالدنيا انقطاع عن الآخرة وذلك لما ينتهي اليه فريق من الناس من ان الدنيا هي المنتهى والغاية ولذلك فهم ليسوا بصدد امر آخر يسمى الآخرة وبالتالي فهم في شغل عنها وماهو دائر فيها من جنة او نار متنكرين ليوم تشخص فيه الابصار ومعتبرين وجودهم بين حياة وموت وحسب قائلين (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ) الجاثية | ٢٤
فقط هذا هو تقديرهم ونظرهم حياة وموت والمحيي والمميت هو الدهر وليس الله تعالى وبالتالي لا آخرة في اذهانهم ونفوسهم بينما الواقع ان الحياة والموت والمرجع هو بيد الله تعالى وعلى اثر هذا تكون جنة او نار ، نعيم او جحيم، سعادة او شقاء
وهذا ماهو عليه اهل العلم والبصيرة والمعرفة والرؤية الواضحة والسليمة الذين مهما كثرت اعمالهم ومشاغلهم في الحياة الا انهم يعيشون الشغل الاكبر والاهتمام الاعظم الذي فيه السعي وبكل اجتهاد وجد في الفوز بالجنة والسعادة والكف والامتناع عن المعاصي للنجاة من النار والخلاص منها
نعم وبكل تأكيد ان الانسان في هذه الحياة لا بد وان يعمل ويسعى فيها ليأكل من رزق ربه ثم بعد ذلك الموت وبعده النشور كما يقول المولى جل مقامه في كتابه العزيز (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك | ١٥
نعم قد ذلل الله الارض وسهل المشي فيها وفي مناكبها واطرافها بالعبودية له تعالى والطاعة والاكل من رزق الله وخيراته والامتثال له بالشكر والذكر والصلاح والاشتغال بطاعته والعبادة، للانتهاء ليوم النشر لما هو اعظم واكبر الا وهي الجنة والنعيم الدائم
هذا هو ديدن اهل الشغل والذين سعوا في مناكب الارض في اعمارها بالصلاح والطاعة كما اصلاحها بالعمران والزراعة فهم للآخرة اشد اعمارًا واصلاحًا ومن خلال تهذيب انفسهم وتزكيتها وحملها على التقوى والخشية من الله تعالى والتطلع الى رحمة الله تبارك وتعالى والى جنته ونعيمه الدائم
فهم في اشد شوق وانشغال الى مايقربهم للجنة وابعد مايكون مما يوقعهم في المعاصي والعقاب لانهم وضعوا الجنة والنار نصب اعينهم واسكنوهما في قلوبهم ولذلك قد شغلوا عما سوى ذلك كما يقول امير المؤمنين علي (؏)(شُغِل من الجنة والنار امامه)
فمن يدرك حقيقة الجنة ونعيمها لا يبغي عنها بدلاً ولا اهتمامًا ولا شغلاً
وكذلك من يدرك شدة النار وعنائها ودوام عذابها ونكالها يكون على الدوام في ترقب وحذر وخوف ويقظة وامتناع وانقطاع عن المعاصي والذنوب لانهم بهذا الادراك كأنهم يعيشون الجنة ونعيمها والنار وعذابها كما يقول امير المؤمنين علي (ع)(فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قد رآها هم فيها معذبون)
فمن يكون هذا حاله ووضعه الا ان يكون لطيفًا بعباد الله تعالى ورحيمًا عليهم لينال لطف الله ورحمته وعنايته ورعايته وبالتالي النجاة من عذابه والفوز بجنته ورضوانه وبهذه السيرة والسلوك بينه وبين ربه وعباده من الخشية والرحمة والحب والشوق فإنه يعيش فارهًا ومنعمًا ومسرورًا وسعيدًا بما هو فيه من رضا الله تعالى ورضا عباده وبعدها يؤول مصيره الى السعادة والجنة والمراتب العالية والدرجات الرفيعة عند الله تعالى
–
نسأل الله المولى الكريم ان يجعلنا من اهل الاشتغال والعمل المقرب الى الجنة وان يجنبنا اي عمل او فعل يردينا ويسقطنا في النار والشقاء
إنه ربنا ولي النعمة والدافع للنقمة وهو على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة ٢٩|٦|١٤٤٢ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس