عامة

إيمان آل راشد…”حنّاية” سعودية تجمع ثقافات مختلفة في نقوشها

للحناء أهميّة خاصة وكبيرة لدى نساء دول عدّة، وخصوصاً دول الخليج. هي من أكثر التقاليد الموروثة انتشاراً في العديد من دول العالم، وتُعدّ إرثاً ثقافياً تتوارثه الأجيال حتى أيّامنا هذه، وتحظى بشعبيةٍ كبيرة لديهنّ، خصوصاً في الأعراس والمناسبات الفرحة. 
في هذا الإطار، تنتشر في الخليج نساء متخصّصات في نقش الحناء، وتُسمّى مَن تقوم بهذا الفن بالـحنّاية“.
 نتعرّف على الحنّاية إيمان سلمان آل راشد، واحدة من أشهر الحنّايات في المملكة العربية السعودية، للإضاءة على هذا العالم البعيد عن الأضواء من خلال مسيرتها فيه
تُعدّ الحناء من التراث السعودي للنساء، وكنّ قديماً يهتممن فيه وحتّى الآن يعتبرنه زينة للمرأة في كلّ مناسبة وفرح، وخصوصاً العروس، فهي تتزيّن فيه هي وأهلها وصديقاتها قبل ليلة الزواج بليلتين أو بليلة، كما في جميع المناسبات السعيدة. 
وتقام سهرة خاصّة للعروس قبل الزفاف، وهيليلة الحناء، لما لهذه النقوش من أهميّة جماليّة للمرأة العروس، ترتبط بتقليد خاص بالزفاف تتناقله النساء.

انطلقت إيمان في عالم نقش الحناء كهواية منذ الصغر. هوت الرسم عموماً، ونقوش الحناء خصوصاً. واللافت أنّ هواية الرسم، انسحبت على بعض أفراد عائلتها أيضاً. “كان يمشي في دمي حب الرسم والزخرفة، وذلك مذ كنت صغيرة في الثامنة أو التاسعة من العمر، كنت أرى دائماً العروس خلال جلسة نقشها الحناء، وكنت أجلس جنب الحنّاية وأنتظر كي تنتهي لآخذ من حناء العروس، وذلك من كثرة حبي للحناء. حتّى أختي الكبرى كانت ترسم، لكنّها لم تستمرّ في هذا الفن، وكذلك أخي، خطّه جميل ويتقن الرسم، تشرح إيمان.
منذ أكثر من عشرين سنة، بدأت إيمان عملها في نقش الحناء. أكملت دراستها الثانوية وتوجّهت إلى الرسم والزخرفة. تراودها أفكار الرسوم فور إمساكها بقمع الحناء، حسب خبرتها حالياً. فهي ترسم ما ترغب به، ولا تحبّ التقليد. تأخذ رأي الزبونة حول رغبتها في الحصول على نقشٍ ناعمٍ، أو خفيف، أو كثير الزخرفة، أو ثقيل. وبإمكانها أيضاً نقش الحناء بحسب صورة تدلّها عليها الزبونة، فتأخذ الفكرة فقط وتشتغل من ذوقها الخاص، وتعلّق قائلة :”الحمد لله هذا يعجب زبوناتي، فهنّ يثقن بذوقي“.

ترسم مختلف نقوش الحناء الخاصة في كلّ بلد. فهي تجيد مثلاً الزخارف الإسلامية، والزخارف الهندية، والزخارف المصرية، وغيرها. وفي هذا الإطار، تنقش الحناء نزولاً عند رغبة الزبائن، فزبونة تطلب حناء سعودياً، وأخرى تفضّل حناء إماراتياً أو سودانياً، ومع الممارسة صارت تفرّق بين النقشات المختلفة، فهي تحبّ أن تستطلع عن الزخارف التي تتميّز فيها كلّ منطقة، ويجذبها هذا الفن. 
ويكون النقش بالحناء كما جرت العادة، على اليدين والرجلين، لكنّ البعض يطلب النقش على الكتف أو على الظهر أيضاً. وليس لنقش الحناء عمرٌ محدّد، والنساء والفتيات من جميع الأعمار يرغبن الحناء، حتّى العجّز، فالحناء من مظاهر الفرحة والبهجة والسرور.
لا تستعين الحناية السعودية، ذات الـ34 عاماً، بأي وسيلة أو تقنية لتفادي الأخطاء أثناء النقش. فانطلاقاً من حرفيّتها، تنقش مباشرةً الرسمة،كالفنان عندما يجلس على لوحة بيضاء أمامه ويبدأ بالرسم بفرشاته، حسب تعبيرها. 
وتروي عن الحناء أنّه ذو لونٍ واحدٍ، وهو أحمر غامق. والحناء الطبيعي المعتاد هو الذي يُضاف له مكوّنات طبيعية مع دواء الحناء المُسمّى بـميسوا، لكن ظهرت حالياً صبغات مشابهة له، لكنّها ليست حناء، بل مواد كيماوية لا تصلح
 
وتقوم الحناية بتجهيز قموع الحناء قبل الجلسة، لتسهّل عليها العمل، إذ تستخدم القموع واحداً تلو الآخر. وأهمّ ما في الجلسة، ألّا تدهن الزبونة على بشرتها الكريم قبل المباشرة بالرسم، كي يثبت لون الحناء وتحصل على اللون المطلوب.
ويبقى الرسم لمدة أسبوعٍ على البشرة، ويبدأ بعدها بالاختفاء طيلة أسبوعين. ويكون النقش فور انتهاء الرسم سميكاً ذا لونٍ بنّي، لكن بعد غسله، يندمج مع الجلد ويعطي اللون الأحمر.
وتمتدّ جلسة النقش لحوالي 15 دقيقة إذا كان النقش خفيفاً، أمّا إذا كان ثقيلاً، فيحتاج لحوالي نصف ساعة. وفي هذا الإطار، تشتري إيمان الحناء الجاهزة وتعمل فيها، وتوزّعها في قموع وتحفظها في الثلاجة كي لا تتلف.
 


بحكم خبرتها الطويلة، أصبحت الحناية تعطي دروساً وتقيم دورات في رسم الحناء، وكان أوّل الطلاب ابنتها الصغيرة، فهي كأمّها تعشق الرسم. وهناك إقبال كثيف مِمَّن يرغبن في الالتحاق بهذه الدورات وتعلّم هذا الفنّ، برغم حداثة هذا العصر.
ولما لأهميّة إيمان من أعمال وشهرة على نطاق المملكة، تمّت دعوتها للمشاركة في إحياء اليوم الوطني السعودي، في حفل أقامه السفير السعودي في بودابست السنة الماضية، مع فرقة سعودية وخطاط. وأخذت معها لوحةً رسمتها خصيصاً للمناسبة وعرضتها في الحفل، حيث وضعت فيها لمسة نقش من الحناء في  كلمات الرسم. فاللافت أنّها ترسم لوحات بقلم الرصاص، بقلم الفحم، بالفرشاة، وبالألوان أيضاً.

وشاركت في مهرجانات سعودية كبيرة داخل المملكة، وخارجها في البرازيل وروما وألمانيا. كما شاركت في افتتاح المونديال في روسيا حيث كانت صفوف الراغبات في نقش الحناء طويلة، و”هذا كلّه توفيق من رب العالمين”.

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى