دينية

كلمة الجمعة للشيخ حسين آل خميس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الغني الذي لا يفتقر والعزيز الذي لايذل والقوي الذي لايضعف والصلاة والسلام على من كان من ربه كقاب قوسين او ادنى حبيب رب العالمين المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين
(العز في الغنى)
قال الامام ابو جعفر محمد بن علي الجواد(ع)(عز المؤمن غناه عن الناس)
العز يقابله الذل كما هو الحال في القوة يقابلها الضعف والعز انما يحصل عليه الانسان من خلال توافر عناصره ووجود اسبابه ومن اهم وابرز العناصر والاسباب التي بها ينال الانسان العز هو الاستشعار والاحساس الداخلي بالعز والقوة وذلك عبر الايماء والحديث مع النفس بأنها قوية وعزيزة فتكون كذلك كحال الذي يجري على نفسه بعض الاوضاع فيقع فيها او تقع عليه كما يقول الرسول(ص)(من تفاقر افتقر ومن تمارض مرض)
وهكذا غيرها حين يتظاهر بها تظهر عليه ومن اكثر منها عرف بها كما هو وارد الحديث المبارك القائل(من اكثر من شيء عرف به)
وهذا الشيء الذي يمكن ان يعرف به الانسان يمكن ان يكون من الجانب الحسن او الجانب السيء في الطرف الجميل او الطرف القبيح
وربما لم يكن هذا الانسان من اهل هذا الصنف او ذلك ولكن حين اكثر منه وتكرر فعله عرف به وحسب عليه اذ ان من يفعل الخير ويتكرر منه يعرف به وهكذا الحال من يفعل الشر ويكرره يعرف به فمن يحضر حلقة او حلقات علم ويدوم حضوره يحسب عليه ويعرف به وانه من اهل العلم والصنف
وهكذا في غير هذا من المواضيع ولا يكفي في تحقق هذه المواضيع جريان الحضور او الفعل مرة او مرتين بل بحاجة الى التكرار والاكثار والمتابعة
فحضور جلسة علمية سواء في الفقه او الطب وغيرهما لا تصنع فقيه ولا طبيبًا بل لابد من المتابعة والمراوحة وهكذا من يروم ويبتغي العزة والكرامة ان يكون في الحال الذي به تتحقق العزة والكرامة وذلك عبر الاستغناء عن الغير والاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس والمضي قدمًا نحو الانتاج والتقدم والسعي وماوسع في سبيل العطاء والبذل رافضًا وممتنعًا من ان يكون لاسمح الله اسيرًا للغير وتابعًا للغير
بل حرًا كريمًا عزيزًا قويًا ناهضًا وسائرًا في ركب الامراء الصلحاء المحسنين تبعًا لقول امير المؤمنين علي(ع)
(احتج الى من شئت تكن اسيره
واستغني عمن شئت تكن نظيره
واحسن الى من شئت تكن اميره)
نعم ان الحاجة الى الناس توقع صاحبها في الاسر والذل والضعف والمهانة ولذا يقتضي من الانسان ان يحقق حاجاته بنفسه ما امكنه ذلك ويستغني عن الغير ففي ذلك يجعله نظيرًا ومثيلاً لهم وندًا لا يقاربه شيء من الذل والضعف
بل ويأخذ بنفسه ويرتقي بها نحو وضع ارفع واعلى مما سبق الا وهو السعي بإحسانه وواسع جوده وعريض عطائه ليكون بذلك في صفاف الامراء والاخيار والاجواد والمحسنين الذين يحملون هموم الاخرين بعد حملهم همومهم فصاروا بذلك امراء حق وكبار وعن صدق تجسيد لهذا القول العظيم (واحسن لمن شئت تكن اميره)
ومن هنا فإن الامارة والزعامة ليس طريقها الا الاحسان والافاظة على الغير والاغداق عليه
وليس كما يتصورها البعض من التمكن من رقاب الاخرين ونفوسهم والتأمر عليهم والتحكم في امورهم واخضاعهم واذلالهم وسوقهم كما تساق البهائم اذ ان الناس لهم كرامتهم وحرمتهم كما يتصورها لنفسه الا ان يكون فاقدًا لها وحينها يكون الامر خطب جليل وبعد هذا حين يمتلك الانسان الفرد عزته وكرامته باستغنائه واكتفائه ثم السعي وبكل جهده ان ينفخ هذه الروح
في امته وينشرها برشده وارشاده وبذله وعطائه وجوده وكرمه ليصنع بذلك امة قوية عزيزة يجعلها عامرة بالاحسان وناعمة بالخير ورائدة ومتقدمة في ميادين الحياة مشركة غيرها في خيرها ونعيمها لا آسرة ولا مأسورة وهذا هو النهج القويم والسلوك السليم من ان يكون الانسان متقدمًا وناهضًا مكتفيًا حرًا كريمًا بل ومحسنًا جوادًا وعلى هذا المنوال تكون الامة في سلوكها وسيرها لتكون في صفاف الامم المتقدمة والناهضة بل واكثر وذلك من خلال ماتظهره من احسان وايادي بيضاء للآخرين بعد اظهاره فيما بينها وافشائه وبهذا تصير امة عزيزة وقوية بل ومتفوقة ورائدة ومتميزة على غيرها من الامم
وهذا هو المصداق الاوسع للحديث المبارك الذي قاله الامام الجواد محمد (ع)(عز المؤمن في غناه عن الناس)

نسأل الله المولى الكريم ان يجعلنا من اهل العزة والكرامة بطاعته وعبادته وخشيته قبل كل شيء وان يعزنا بالغناء عن الناس وان يجعلنا من خيار عباده والمحسنين
إنه ولي التوفيق وهو على كل شيء قدير
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كلمة الجمعة ٢٧|١١|١٤٣٩ هـ

زر الذهاب إلى الأعلى