مقالات

مقالات: الغفلة …أشد النكبات


بصائر من كلمات الإمام الباقر (عليه السلام)

رضي منصور العسيف

كان يقود سيارته بسرعة (جنونية) متجاوزًا كل التحذيرات، متعديًا كل أنظمة السلامة والمرور… حذره صديقه ذات مرة عن خطر السرعة … لكنه لم ينتبه لهذه النصيحة … حتى جاء ذلك اليوم الذي تسبب فيه بحادث شنيع أدى بحياته وحياة الطرف الآخر… والسبب غفلة لمدة ثوان (طرفة عين) …
الغفلة كلمة صغيرة معدودة الحروف، لكنها تترك أثرًا عظيمًا في حياة الإنسان والمجتمع، حينما يغفل الإنسان فإنه يجري في هذه الحياة وراء الملذات والشهوات، حينما يغفل الإنسان فإنه يخسر كل شيء لأنه ارتكب كل الأخطاء… الغفلة هي أشد نكبة يصاب بها الإنسان والمجتمع.
وهذا ما يعيشه البعض منا من غفلة قاتلة بسبب تلك الوسائل والملهيات، ولا يمكنه الاستغناء عنها لحظة معينة، حتى أصبحت كالإدمان، مما سبب لنا تلفًا روحيًا وبعدًا عن الطاعات وممارستها بجفاف بلا دموع أو تأثر!!
وقد تحدث أهل البيت (عليهم السلام) عن هذا الجانب وطرق علاجه في العديد من كلماتهم، فها هو الإمام الباقر (عليه السلام) يخطب خطبة بليغة في جمع من الناس لاحظ عليهم آثار الغفلة فكان مما قاله (عليه السلام): ويلك إنّما أنت لص من لصوص الذنوب ، كلّما عرضت شهوة أو ارتكاب ذَنْب سارعت إليه ، وأقدمت بجهلك عليه ، فارتكبته كأنّك لست بعين الله ، أو كأنّ الله ليس لك بالمرصاد(1).
وفي هذه الكلمة دلالة واضحة على متابعة الإمام الباقر(عليه السلام) لما يعاني منه الناس من أمراض روحية ونفسية وقيامه بعلاجها بطريقة مناسبة.

قسوة القلب أعظم عقوبة
قال الإمام الباقر(عليه السلام): إياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب(2).
عندما يصبح قلب الإنسان قاسيًا تصبح الحياة بلا طعم، مهما كانت الملذات والعيش الرغيد إلا أن القسوة تحولها إلى ظلام موحش، وسعادة مزيفة.
ومن قسى قلبه فإن حياته ستكون بلا أكسجين فيعيش ضيق الصدر، وجفاف النفس فلا تخشع ولا تتأثر بالمواعظ وفي هذه الحالة يقول تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) الزمر آية 22
وقسوة القلب هي من أعظم العقوبات الإلهية حيث يقول الإمام الباقر(ع): إن لله عقوبات في القلوب والابدان : ضنك في المعيشة ووهن في العبادة. وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب(3).

ذكر الله .. تفكر ومعرفة
قال الإمام الباقر(ع): تعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات(4).
وقال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران/ 191). فأولئك هم الذاكرون، الذين لم يكن ذكرهم لله مجرد لقلقة لسان، ولا ترداد عبارات، أو تدافع ألفاظ تولد على شفاههم خاوية ميتة، بل ذكروا الله عن تفكر ومعرفة، ووعي لمضامين الذكر، ومن يعيش حالة الذكر فإنه لا يكتب من الغافلين.
الإمام الباقر قدوة
لقد كان دائم الذكر لله تعالى، وكان لسانه يلهج بذكر الله في أوقات الغفلة، فكان يمشي ويذكر الله، ويحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله تعالى، وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر الله حتى تطلع الشمس، كما كان يأمرهم بقراءة القرآن ، ومن كان لا يقرأ كان يأمره بذكر الله تعالى” (5)

الصلاة في وقتها
قال الإمام الباقر (عليه السلام) : أيما مؤمن حافظ على الصلوات المفروضة فصلاها لوقتها فليس من الغافلين(6).
إذا أردت أن تعرف هل أنت من الغافلين فعليك أن تنظر إلى حرصك لمواعيد الصلاة،
فمن يهتم بمواعيد صلاته ويكون مترقبًا لها بكل شوق، ويتهيأ لها بأفضل هيئة ومن يعتبر وقت الصلاة وقتًا مقدسًا ويحافظ عليه فإنه بعيد كل البعد عن حالة الغفلة.

الهوامش:
1 ) تحف العقول – ابن شعبة الحراني – الصفحة ٢٩١
2 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٢٨٧
3 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٦١١
4 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٦١٥
5 ) أعلام الهداية … الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام ) ص ٣٤
6 ) الكافي، ج3، ص270.

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى