مقالات : المنزل المبلل
المنزل المبلل
بقلم : محمد حبيب الراشد
معلمتي الحبيبة ، أنا سعيدةٌ جداً هذه المرة ، فقد أخبرتني أمي بأنَّ عودتنا لمنزلنا باتتْ قريبة.
لقد مضت سنةٌ كاملة على رحيلنا الآن ، ومنزل جدي غير قادر على استيعابنا أنا وأمي وأخي .
وكما تعلمين فإنني لم أكن يوماً سعيدةً هنا.
صحيحٌ أن هناك أشياء رائعة هنا ، فأنا أستطيع أن أكتبَ رسالتي هذه رغم أن السماءَ تمطر ، فمنزلُ جدي يتبلل من الخارجِ فقط عندما تمطر .
مع هذا فأنا لازلتُ أشتاقُ لرائحةِ طينِ البحر في جدرانِ منزلنا المبلل ، فبينها كان يوجد أبي .
لقد كان صباحاً مبللاً عندما أيقظتني أمي قبل عام ، حين أيقظتني ظننتُ أن المطر هو السبب ، ثمَّ رأيتُ وجهها فتوقف صوت المطر .
وانطفأتْ كلُّ الأصوات حولي ، كانت تنظرُ إلي وتهزُ رأسها كمن يُجيب ب (لا) رغمَ أنني لم أسألها أيَّ سؤال . تنظر إلي فتهزُّ رأسها ثم تنظرُ للخلف فتعودُ لتهزَّ رأسها ، ظلَّت تفعل هذا لفترة ظننتُ أنها ساعات طويلة .
بعد ذلك توقفت وانفرج فمها الواسع وخرج الماء من شقي عينيها لتبلل المكان هي أيضاً ، عرفت حينها أن أبي قد مات .
معلمتي الحبيبة أعرف أنك قد تسيئين الظن بي لو أخبرتك بما خطر لي في تلك اللحظة ولكنني أشعر بالحاجة لإخبارك بذلك كحاجة أبي للدواء .
عندما عرفتُ بموته تذكرت أنه قد وعدني بشراء حذاءٍ أحمر مثل حذاء صديقتي كوثر عندما يتوفر له المال.
مرت شهور كثيرة ولا زلت أتذكر وعده ، لكنه لم يفِ بذلك الوعد ، عندما بقينا هنا كان أشد ما يعذبني هو أنني لا أحلم ليلاً أنني سأستيقظ صباحاً وأجدُ حذائي الأحمر في يدي أبي .
في منزلنا كنت أنام مبتسمة وأنا أنتظر رؤيته بين يديه ، فأنا لا أريده من أحد غيره .
معلمتي الحبيبة
في منزلنا المتشقق ، كانت أمي جميلة جداً ، وكان أبي كذلك أيضا قبل أن يتحول لعظامٍ ممدة على السرير .
أتمنى أن نعود بسرعة حتى تعود أمي جميلة كما كانت .