مقالات

مقالات: الحب الذي قد يموت سريعاً

مقالات: السيد عدنان الشعلة

الساعة الرابعة من مساء كل يوم، يتكرر ذلك المشهد الروتني الجميل، حينما يعود الأب من عمله، وما أن يُسمع صوت الباب إلا وأطفاله يتقافزون متسابقين نحو الباب، تلك الطفلة تقفز على رقبته تعانقه، وذاك يقبل يد أبيه، وطفل ينادي بأعلى صوته بابا بابا، وعلى استحياء تستقبله زوجته وترافقه إلى غرفته كي يرتاح قليلاً.

مشهدٌ آخر لحبيبين تفصلهما ساعات العمل الطويلة من أن يلتقيا كثيراً، ذاك يعمل ليلاً وهي تعمل نهاراً، وما أن يلتقيا حتى ينسيا العالم بأسره من شدة الاشتياق، يتسامران، يضحكان، ويسهران معاً، الوقت معاً يمضي سريعاً كالبرق من شدة الأنس.

لنعد للمشهد الأول بعد جائحة كورونا، حيث لم يعد يفتح الباب ويدخل الأب على أطفاله كما كان، ويوماً بعد يوم فُقدت دهشة الأطفال بوجود أبوهم بينهم، اعتادوا أن يستيقظوا وهو موجود وأن يناموا وهو موجود، وبات الأمر الذي يخجلون من فعله في حضرة أبيهم شيء اعتيادي، ومع مرور الوقت والتواجد المستمر بينهم قد تُفقد سمة الهيبة والإحترام المزروعة داخلهم، قد لا تهمهم تلك الوجبة التي كانوا ينتظرونها كي يتحولقوا فيها حول أبوهم، قد يتململون من القصص والإرشادات والمتابعة والمراقبة التي كانت موجودة قبل ذلك ولكنها كانت تقدم لهم بين فترات متقطعة وعلى دفعات متفاوتة.

المشهد الثاني وساعات الحب بين الحبيبين واللذين يترقبان اللحظة كي يكونا معاً، وما أن أصبحا طيلة اليوم برفقة بعضهما، كان الشعور لذيذاً للغاية في بداية الأمر، شعورالاستحواذ الجميل والابتعاد عن العالم بأسره والبقاء مع من أحب، وما هي إلا أيام ويدب الملل بينهما، ويشعران بالإمتلاء من بعضهما، فتتحول ساعات الترقب إلى ساعات من الملل والصمت والهدوء، يمر عليهم الليل وذاك يلعب بهاتفه، وتلك الأخرى تشاهد، فما عاد الحديث بينهما ذو شجون كما كان منذ قبل.

ليس الأمر خارجاً عن المألوف، بل هي طبيعة الإنسان هكذا، يصل إلى حالة من الإكتفاء ممن هم حوله ولو كانوا أقرب الناس إليه، يحتاج إلى فاصل يبعده عنهم حتى يعود مشتاق إليهم، فوجود الرجل خارج البيت بالقدر المعقول له من الإيجابيات الكبيرة والكثيرة المؤثرة على الترابط الجميل بينه وبين أطفالهم وأسرته، صدق أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال ( كثرة الزيارة تورث الملالة ) فما بالك بالملاصقة اليومية، فهي تورث المشاكل والمتاعب والتباغض أحياناً.

عليك في هذه الفترة ومن الضروري أن تصنع فاصلاً وهمياً بينك وبين من معك، بأن تخصص وقتاً لك تكون فيه بعيداً عن أسرتك، تتعلم فيه، تكتب، تشاهد، تقرأ، تمارس فيه هواياتك، عليك أن تجعل الأطفال بأن يعيشوا بعض الحرية من دون تواجدك بينهم حتى لا تفقد رونق الأبوة المرسوم في داخلهم، عليك أن تستفقد من تحب حتى تلتقيه بكل اشتياق، لا تخسر في هذه الفترة كل رابط جميل بنيته بينك وبين أحبتك، فنومك في جزر المالديف كل ليلة سيفقدك الشعور بجمال لون بحرها.

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى